رفعت إسرائيل من مستوى تحدّيها لإيران، بإعلانها «استراتيجية جديدة» تقضي بشنّ عمليات أمنيّة مباشرة في الساحة الإيرانية ضدّ أهداف ليست مرتبطة بالضرورة بالبرنامج النووي. ووفق الإعلان العبري الذي ورد على لسان رئيس الحكومة، نفتالي بينت، فإن «عصر الحصانة للنظام الإيراني قد ولّى»، وإن «إسرائيل تكثّف نشاطاتها ضدّ رأس الأخطبوط، وليس ضدّ أذرعه فقط، كما في الماضي». وتزامن هذا التصعيد مع عمليات أمنية عدائية سُجِّلت في الساحة الإيرانية ضدّ خبراء وضبّاط إيرانيين، تؤكد المعطيات أن اثنتَين منها نَفّذتهما إسرائيل عبر عملائها في الداخل. وهي عمليات ما كانت لتُشنّ من دون رضى الولايات المتحدة، وربّما مشاركتها، وهو ما يرفع التحدّي في وجه الجمهورية الإسلامية إلى مستويات جديدة، تُلزم الإيرانيين بالردّ.ولا شكّ في أن أهمّ ما في الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، والمُفعّلة منذ عهد الحكومة السابقة، هو إعلانها على لسان رأس الهرم السياسي في تل أبيب، بينت؛ إذ إن جديدها، كما يروَّج له، قديم، ما خلا الكشف عنه علانية، وتبنّيها بشكل رسمي، ومن دون مواربة. مع هذا، يرتقي الإعلان بالمواجهة القائمة، درجةً وربّما درجات، كونه يخدم أكثر من هدف، ولا يتوقّف عند مجرّد تهديد إيران أو ردعها أو حثّها على الانكفاء فحسب، بل يمثّل إشارة دالّة على أن العدو ينوي مواصلة عمليّاته، ما لم يتلقّ ثمناً مقابلاً يردعه عن السير فيها. على هذه الخلفية، يُفترض بالجانب الإيراني أن يكون مدركاً لمحدودية خياراته في الردّ الذي إنْ لم يُقدِم عليه، فستمتدّ تداعياته إلى مستويات استراتيجية. ويَبرز من بين الردود الحاضرة على طاولة التقدير الإسرائيلية: «الدم بالدم»، كما يَرِد في الأدبيات العبرية، أو ضربات في المكامن التي توجع إسرائيل والولايات المتحدة في أمنهما القومي، أي الارتقاء بالبرنامج النووي من خلال رفْع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 93%، وهي النسبة المطلوبة نظريّاً لتحصيل القدرة النووية العسكرية. فهل تلجأ إيران إلى واحد من الردَّين، أم أنها تعتمد الردّ في الاتجاهين معاً؟
أهمّ ما في الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، هو إعلانها على لسان رأس الهرم السياسي في تل أبيب


وتوقّفت التقارير العبرية أمام سلسلة التصريحات والمواقف الصادرة من طهران، والتي تدعو إلى التراجع عن فتوى تحريم حيازة القدرات العسكرية النووية. وفي هذه الحيثيّة، تختلف تقديرات تل أبيب، وإنْ كانت تُجمع على أن الردّ الإيراني سيكون مغايراً، وخاصّة أن «الاستراتيجية الجديدة» التي أعلن عنها بينت، تتزامن مع انسداد في أُفق المفاوضات النووية، وصل إلى حدّ إدخال «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» للتموضع في وجه إيران، مع احتمال صدور إدانة عبرها تمهّد نظريّاً، كما تهدّد تل أبيب وشركاؤها في الغرب، لتحويل الملفّ إلى مجلس الأمن توطئة لفرض عقوبات جديدة ضدّ الجمهورية الإسلامية. ويدفع تَزامُن استراتيجية بينت والتصعيد في المفاوضات، طهران، إلى دمج الردود، خصوصاً أن إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، فتحتا الحرب علناً على البرنامج النووي، وكذلك على القدرة الإيرانية العسكرية خارج هذا البرنامج، كما هو حال البرنامج الصاروخي وبرنامج صناعة الطائرات المسيّرة وتطويرها. مع هذا، من المفيد إعادة التذكير بتموضع أطراف الصراع بين إيران وأعدائها، إذ بينما تترافق اعتداءات إسرائيل في أكثر من ساحة مع صخب إعلامي والكثير من التبجّح المباشر وغير المباشر، تُدار من حول الكيان معركة بات يتعذّر عليه مواجهتها أو صدّها، على رغم الجهود المبذولة في ذلك الاتجاه. وهو ما تسمّيه الأدبيات العبرية بـ«قوس التهديد المتشكّل من إيران وحلفائها»، والذي يتنامى ويتعاظم. وفي السياق ذاته، تواصل طهران والقوى الحليفة لها تعزيز قوّتها على أكثر من مستوى، ليس في مجال التهديد النووي فحسب، بل أيضاً في مجالات تهديد تقليدية باتت خارج قدرة إسرائيل على فرملتها.
وفي انتظار الردّ الإيراني، تتواصل التعليقات في تل أبيب إزاء «الاستراتيجية الجديدة»، إذ تساءلت صحيفة «هآرتس» عن ماهية هذه الاستراتيجية وأهدافها الحقيقية، وما إن كان في مقدور إسرائيل أن تُحقّق شيئاً منها، قائلةً: «إذا كانت سياسة الاغتيالات ناجحة على المستوى التكتيكي، لكنّها ليست استراتيجية تمنع إيران من تطوير قدراتها النووية، أو تعزيز تمركزها في الإقليم». وحذّر مراسل الصحيفة للشؤون الاستخبارية والأمنية، يوسي ميلمان، بدوره، القادة الإسرائيليين من إمكان تحوّل الفرصة إلى تهديد، متسائلاً عن فرضيات تتعلّق بردٍّ إيراني مغاير: «ماذا إن دفعت الهجمات الإسرائيلية، إيران، إلى المُضيّ قُدُماً في تخصيب اليورانيوم، والقفز به إلى نسبة الـ93%».