في تراجع جزئي عن سياسة الضغوط القصوى التي مارستها الولايات المتحدة طويلاً تجاه أكبر خصومها في أميركا اللاتينية، كوبا وفنزويلا، بدأت الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن، الشهر الماضي، تخفيف العقوبات المفروضة على هذين البلدَين اليساريَين. إذ أعلنت، الأسبوع الفائت، رفع عقوبات مفروضة على الرحلات الجوية مع كوبا. كما تنوي تنفيذ برنامج عالق منذ سنوات عدّة، من شأنه تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرات دخول وهجرة لأفراد من عائلة واحدة. وهي وعدت أيضاً بتعزيز عملية درس طلبات تأشيرات الدخول في هافانا، فيما يُفترض أن تلغي الحدّ الأقصى المفروض على التحويلات المالية إلى كوبا، والبالغ حالياً ألف دولار كلّ ثلاثة أشهر لكلّ مرسل/مستلم، فضلاً عن السماح بإرسال أموال خارج إطار العائلة.أمّا بالنسبة لفنزويلا، فقد أعلنت واشنطن تخفيفاً محدوداً لبعض العقوبات، مؤكدة أنها تريد بذلك تشجيع معاودة الحوار السياسي بين الرئيس نيكولاس مادورو، والمعارضة المدعومة من واشنطن. وقال مسؤول أميركي رفيع إن القرار «مرتبط باتفاق المعسكرَين على معاودة المفاوضات» في مكسيكو لإيجاد مخرج للأزمة السياسية «سيعلنان عنه قريباً»، مضيفاً أن القرار اتُّخذ «بطلب من الحكومة الفنزويلية الانتقالية» برئاسة خوان غوايدو. كذلك، قررت الإدارة الأميركية بدء المفاوضات مع شركة النفط الأميركية «شيفرون»، وهي الوحيدة التي تحتفظ بوجود فى فنزويلا، للتفاوض بشأن الأنشطة المستقبلية المحتملة مع كاراكاس. ويأتي هذا الإجراء بعد أن كانت إدارة دونالد ترامب فرضت عقوبات عام 2017، شملت حظراً على تداول سندات الخزانة الفنزويلية فى الأسواق المالية الأميركية أو التعامل مع شركة النفط الفنزويلية التابعة للدولة «PDVSA». كما استهدفت المسؤولين الفنزويليين الذين تمّ تجميد أصولهم في أميركا.
لا تزال واشنطن بعيدة عن سيناريو تطبيع العلاقات مع حكومتَي فنزويلا وكوبا


ووفق مقال نُشر في موقع «بي بي سي بالإسبانية»، فإن بعض المحلّلين يؤكدون أنه «عاجلاً أم آجلاً، ستستكشِف شركة شيفرون النفط، فيما ستستفيد شركة PDVSA منه»، فيما يَعتقد محلّلون آخرون أن «واشنطن ترى في كاراكاس التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، فرصة لخفض سعر النفط، الذي ارتفع بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا». ولا تبدو هذه الفرضية مستبعدة؛ إذ إنه في شهر آذار الماضي، وبعد فرض إدارة بايدن عقوبات على النفط الروسي، قام مبعوثون أميركيون برحلة مفاجئة إلى فنزويلا لإجراء محادثات خاصة مع مادورو، حليف موسكو الذي قال إنه مستعد لزيادة إنتاج النفط. كما أن فنزويلا أفرجت عن سجينَين أميركيَين بعد ذلك الاجتماع. وبحسب المقال نفسه، فإن «صراع الغرب مع روسيا قد حرّك سياسة الولايات المتحدة تجاه فنزويلا... الخطوة الأميركية تجاه مادرور كانت جزءاً من خطّة الغرب لاستبدال النفط الروسي، بالإنتاج في أماكن أخرى».
وعلى الرغم من إعلان الإدارة الأميركية أن هذه الإجراءات تندرج ضمن ما وصفتها بأنها «بادرة تهدئة»، وأنها «قرارات عملية تهدف إلى الاستجابة للوضع الإنساني في كوبا وتنمية فرص اقتصادية»، إلّا أنه، وفق الخبراء، لا تزال واشنطن «بعيدة عن سيناريو تطبيع العلاقات مع حكومتَي فنزويلا وكوبا». وبحسب هؤلاء، فإنه «لا يمكن فصل المدّ اليساري الذي تواجهه واشنطن في القارة اللاتينية عن خطوة الأولى نحو تخفيف العقوبات»، خصوصاً مع إدراك الإدارة الأميركية «متانة العلاقات التي تربط هافانا وكاراكاس مع موسكو ــــ التي تواجه حالياً تصعيداً غربياً غير مسبوق ــــ وما يمكن أن تنتجه هذه العلاقات من إعادة لأزمة الصواريخ الكوبية التي حصلت في القرن الماضي، إذا ما قرّرت روسيا إعادة نشر أصول عسكرية في الدولتَين اللاتينتيّن».
ووفق كاتب المقال المذكور أعلاه، جيراردو ليسارد، فإن هناك أسباباً عدّة تقف وراء هذا التغيير في المسار الذي انتهجه ترامب، علماً أن الخطوات الأخيرة تزامنت مع استعداد الإدارة الأميركية لاستضافة القمة التاسعة للأميركيتَيّن في لوس أنجلوس (انطلقت أول من أمس وتستمرّ حتى العاشر من الشهر الجاري). وعلى رغم الجدل الذي رافق القمة بسبب استبعاد الولايات المتحدة لكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا منها، والذي دفع الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، ونظيره البوليفى لويس آرسي، إلى المقاطعة تضامناً مع الدول الثلاث، إلا أنه وفق ما نقل ليسارد عن مديرة برنامج أميركا اللاتينية في مركز «ويلسون»، سينثيا أرنسون، فإن «إدارة بايدن لم تكن تريد الوصول إلى القمة خالية الوفاض»، وإن «هدف البيت الأبيض هو إظهار الاختلاف مع سياسة ترامب الخاصة بكوبا وفنزويلا والهجرة، وسط شكوك حول الالتزامات التي سيتمّ تحقيقها في القمة».