للمرّة الثالثة على التوالي منذ تولّيه منصبه، أدلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، بتصريحات مثيرة للجدل بخصوص جزيرة تايوان، مُلوّحاً بالتدخُّل عسكرياً لحمايتها في حال تعرّضها لهجوم من قِبَل الصين. وعلى رغم حرص البيت الأبيض، في كلّ مرّة، على تصحيح «هفوات» بايدن بالتأكيد أن «سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان لم تتغيّر»، إلّا أنه يبدو واضحاً أن «الغموض الاستراتيجي» الذي انتهجته واشنطن منذ عقود تجاه الجزيرة، بدأ ينزاح تدريجياً لصالح سياسة أكثر وضوحاً وهجومية. إزاء ذلك، يبقى السؤال الملحّ هو ما الذي يمكن للأميركيين فعلُه في حال تعرُّض تايوان لهجوم من هذا النوع؟ وفق تقارير إعلامية أميركية حديثة، فإن الإجابة «المزعجة» هي أنه قد لا يكون بمقدور واشنطن فعل شيء؛ ومردّ هذا هو أن «الصين لديها عدد أكبر من القوات والصواريخ والسفن ممّا تملكه تايوان أو ما يمكنها أن تُحصّله من حلفائها أو مؤيّديها المحتملين». وفي الاتّجاه نفسه، تعتقد الخبيرة في السياسة العسكرية والأمنية للصين، أوريانا سكايلر ماسترو، أنه «إذا ما تدخّلت الولايات المتحدة في حال غزو تايوان، فإنها ستحتاج إلى حلفاء إقليميين لتوفير المدارج والموانئ ومستودعات الإمداد... لكن هؤلاء قد يكونون متحمّسين للبقاء بعيدين عن مرمى النيران». وفي مقال نُشر في صحيفة «ذي نيويورك تايمز» الأميركية الأسبوع الماضي، تَلفت ماسترو إلى أن «تقييماً أميركياً رسمياً صدر في عام 2018، يحذّر من أن واشنطن قد تواجه هزيمة عسكرية حاسمة في الحرب على تايوان... وينبّه إلى قدرات الصين المتقدّمة بشكل متزايد، والصعوبات اللوجيستية التي لا تُعدّ ولا تُحصى للولايات المتحدة». وترى الخبيرة أن تصريحات بايدن الأخيرة بخصوص تايوان، ربّما يكون سببها فشل واشنطن في منع الحرب الروسية - الأوكرانية، إلّا أنها تَعتبر مقارنة أوكرانيا وتايوان «أمراً إشكالياً»، لافتة إلى أن «إعادة توحيد الجزيرة مع البرّ الرئيسي هي أحد أهم أهداف الحزب الشيوعي الصيني»، وعليه «ستنظر الصين إلى تدخّل الولايات المتحدة باعتباره خيانة مريرة لمبدأ الصين الواحدة».
كذلك، تشير الكاتبة إلى أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للعديد من البلدان، وبالتالي فإن حشد الدعم للعقوبات الاقتصادية ضدّ بكين، سيكون أكثر صعوبة من عزل روسيا، مضيفة أن الحلّ يكمن في وقوف بايدن بحزم ضدّ التهديد الصيني لتايوان، وفي الوقت نفسه العمل على تخفيف مخاوف بكين من خلال إظهار التزام أميركي أقوى بالحلّ السلمي. وتختم ماسترو مقالها بالقول إنه «مهما كانت حسابات بايدن، فإن الخروج من الغموض الاستراتيجي الذي ساعد في الحفاظ على السلام لعقود من الزمان يخطئ الهدف... سوف يصفّق الكثيرون لبايدن لدفاعه عن تايوان الديموقراطية في مواجهة التهديدات الصينية، لكنّه قد يُعرّض الجزيرة لخطر أكبر، وقد لا تكون الولايات المتحدة قادرة على الإنقاذ».

الخطّة الصينية
«عاجلاً أم أجلاً، سوف تعود تايوان». على هذا الأساس، بنت بكين سياستها حيال الجزيرة. وهي إذ فضّلت، ابتداءً، انتهاج الوسائل السلمية، فقد عملت على خلْق علاقات اقتصادية قوية مع تايبيه على مدار أكثر من عشرين عاماً. ووفق الأرقام الرسمية التايوانية، فإنه حتى عام 2018، فاقت استثمارات تايبيه في بكين الـ60 مليار دولار. وقد كان هدف الصين من هذه العملية، خلْق وضع يؤدي في النهاية إلى عودة اللُحمة بين الجزيرة والبرّ الرئيسي. لكن اليوم، وفي ظلّ تصاعد الاستفزازات الأميركية لبكين في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، تُطرح تساؤلات حول إمكانية إقدام الصين على تدخّل عسكري ضدّ جارتها. وفق محلّلين، فإنه «لا أحد يمكنه تحديد متى يمكن أن تُقدِم بكين على هذه الخطوة، التي تستعدّ لها منذ سنة 1949»؟ ويَلفت هؤلاء إلى أنه في السابق كانت «العديد من العوامل تحول دون تَحقّق هكذا سيناريو، من بينها الخشية من ردّ فعل الولايات المتحدة، والخوف من تايوان نفسها المدجّجة بالسلاح الأميركي... لكن في الفترة الأخيرة، تراجعت هذه المخاوف بسبب تعاظم القوّة العسكرية الصينية، وهو الأمر الذي يعني أنه من الممكن أن يشهد العالم حرباً قريباً».
وتكمن أهمية الجزيرة التي تدور حولها الصراعات، في موقعها الاستراتيجي في المحيط الهادئ؛ إذ إنها تتوسّط بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، وتُعتبر بالنسبة إلى بكين أساسية في السيطرة على البحرَين، وبالتالي مدّ نفوذها في الدول المطلّة عليهما، مع ما يعنيه ذلك من تحكّم بإمدادات الطاقة إلى اليابان وكوريا الجنوبية، الحليفتَين الوثيقتَين لواشنطن في شرق آسيا، وتضييق على القواعد العسكرية الأميركية هناك. كذلك، تُعتبر تايبيه من أهمّ واحات التكنولوجيا العالمية؛ إذ إنها تمتلك أهمّ الشركات في مجالات الاتصالات والكمبيوتر والرقائق. وفي حال تمكّنت الصين من وضع يدها على الجزيرة، فسوف تُعزّز قدرتها التكنولوجية والصناعية، في مقابل التراجُع الأميركي التدريجي.
يُذكر أن الولايات المتحدة اعترفت، عام 1979، بكوْن تايوان ولاية تابعة للصين، إلّا أن موقفها ظلّ مع ذلك متذبذباً وباعثاً على القلق، خصوصاً بعد إصدار الكونغرس، في عهد الرئيس جيمي كارتر، قانوناً عُرف باسم «قانون العلاقات مع تايوان»، مهّد الطريق أمام بدء الحكومة الأميركية بتسليح الجزيرة. وبينما هدأت الأوضاع نسبياً مع بكين وتايبيه في أواخر القرن الماضي، بعد توصّل الطرفَين إلى اتفاق يقضي بتطبيق نموذج هونغ كونغ (دولة واحد بنظام حكم ذاتي) بينهما، عاد التوتّر ليتزايد مع صعود حكومة تساي إنغ وين عام 2016، حيث رفضت الاعتراف بهذه الصيغة، وبدأت تطالب باستقلال الإقليم.