يتكثّف الحراك الصيني في محيط جزيرة تايوان، في موازاة استفزازات أميركية لا تفتأ تزداد حدّة، خشيةَ ما يمكن أن ينجم عن تصعيد بكين من غزوٍ تراه واشنطن قريباً. وإذ تبني هذه الأخيرة استراتيجيتها حيال الصين، ومن ضمنها تايوان، استناداً إلى هذا التقدير، فهي أعلنت، أخيراً، بدء محادثات تجارية مع الإقليم الصيني هدفها، كما تقول، «تعزيز التعاون الثنائي»، في مبادرة أطلقتها بُعيد إماطة اللثام عن شراكة اقتصادية جديدة في منطقة آسيا - المحيط الهادئ أعلنها الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال جولته الآسيوية، سيُعمل من خلالها على «موازنة القوّة الصينية». وعلى رغم أن تايوان ليست جزءاً من «الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ»، لكن مسؤولة أميركية بارزة أوضحت «(أننا) نعتزم في المستقبل اتّباع نهج مرن في ما يتعلّق بمشاركتها»، انطلاقاً من التزام البيت الأبيض «تعزيزَ العلاقات غير الرسمية» بين الطرفين، وصولاً إلى الدفاع عسكرياً عن هذا الإقليم، كما ورد على لسان بايدن نفسه. خطواتٌ دفعت الصين إلى تكثيف طلعاتها الجويّة في منطقة «الدفاع الجوّي التايوانية»، فضلاً عن تعزيز اتفاقاتها الأمنيّة مع مزيد من الدول الجزرية المطلّة على المحيط الهادئ، لتضاف إلى الاتفاق الذي أبرمته مع جزر سليمان. وفيما لم تكتفِ واشنطن بهذه الخطوات، جاء خطاب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ليعيد وضْع الصين في صلْب اهتمامات الولايات المتحدة، بعدما طغت عليها الحرب في أوكرانيا. وممّا ورد على لسان بلينكن، يمكن التوقُّف عند قوله إن «الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها نيّة إعادة تشكيل النظام العالمي، كما لديها وبشكل متزايد القوّة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك»، وإن «رؤية بكين ستبعدنا عن القيم الكونيّة التي حافظت على قدْر كبير من التقدُّم العالمي على مدى الأعوام الـ 75 الماضية»، فيما يرى بايدن، وفق الوزير نفسه، أن هذا العقْد سيكون «حاسماً»، في المواجهة القائمة، بحسب رؤية الرئيس، بين «الديموقراطيات والأنظمة الاستبدادية». لذلك، يوضح الوزير الهدف بـ«تشكيل البيئة الاستراتيجية حول بكين على نحو يعزّز رؤيتنا لنظام دولي مفتوح وشامل».
ثمّة تكهُّنات أميركية متزايدة حول نيّة الصين فرْض سيطرتها بالقوّة على تايوان

ثمّة تكهُّنات أميركية متزايدة حول نيّة الصين فرْض سيطرتها بالقوّة على تايوان؛ بيدَ أن هناك عوامل عدّة تثني بكين عن المخاطرة بهجوم عسكري، من شأن عواقبه أن تكبِّل اقتصاداً مفتوحاً، يعتمد أكثر ما يعتمد على التجارة. ويضاف إلى ما تقدَّم، أن القيادة الصينية لا تزال تنظر إلى «التوحيد السلمي» باعتباره خياراً قابلاً للتحقُّق، فيما يعمل الوقت في مصلحتها نظراً إلى تنامي قوتها العسكرية، وطالما أن الوضع القائم على مبدأ «دولة واحدة، نظامان» لم يتغيّر بعد. وتجلّى «التروّي» الصيني في التعامل مع التظاهرات في هونغ كونغ، إذ بقيت بكين واعية بشدة للتبعات الدبلوماسية والاقتصادية لإرسال قوات عسكرية أو شبه نظامية لقمعها مباشرةً، بل قرّرت انتهاج استراتيجية أبطأ، فأحكمت قبضتها على الإقليم ذي الحكم الذاتي تدريجياً، عبر فرْض تشريعات مستندة إلى «الأمن القومي»، حين بدأت الأزمة بالتمدُّد.
ليس واضحاً بعد ما إذا كان غزو تايوان أمراً حتمياً، على رغم قلق الصين المتزايد إزاء انجراف إقليمها المستمرّ نحو الولايات المتحدة، والذي من شأنه أن يقوِّض الوضع القائم، ويقلِّص من احتمالات «التوحيد السلمي»، في ظلّ تصاعد الدعوات الموجّهة إلى واشنطن بالتخلّي عن سياسة «الغموض الاستراتيجي»، في مقابل الالتزام الصريح بـ«أمن تايوان»، وخصوصاً بعدما أعاد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إحياء المخاوف بإشارته، في خطاب ألقاه عام 2019، إلى إعادة التوحيد «بأيّ وسيلة». تُعدّ تايوان، إذاً، نقطة الخلاف الأكثر خطورة في المواجهة القائمة بين الصين والولايات المتحدة، كون الخلاف حولها يُحتمل أن يثير مواجهة مسلّحة بين الجانبين. من هنا، يجيء وصْف مجلة «إيكونوميست» البريطانية لتايوان بأنها «أخطر مكان على وجه الأرض» لما تمثّله من معضلة لبكين كما لواشنطن.