تحدَّث الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قبل أيّام، عن أن بلاده، في ما لو قرّرت بدء عملية عسكرية في شمال سوريا، فهي لا تنتظر إذناً من أحد. هذا التعليق أثار انتباه المراقبين، ولا سيما أن إردوغان لم يحدِّد ما إذا كان يقصد بكلامه الولايات المتحدة أو روسيا، أو غيرهما. بالنسبة إلى بولنت أوراق أوغلو، وهو مؤيّد للرئيس، فإن هدف تركيا واضح: «التخلّص من التهديد الأمني الذي تمثّله قوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمّال الكردستاني». ويقول الكاتب، في مقالة في صحيفة «يني شفق»، إن اتفاقات أنقرة مع واشنطن وموسكو، في تشرين الأوّل 2019، تلحظ انسحاب كامل العناصر الكردية من الشريط الحدودي بعمق 30 كيلومتراً، والذي يتضمّن مناطق تل رفعت ومنبج وعين عيسى وعين العرب (كوباني) والقامشلي وتل تمر. ويلفت أوراق أوغلو إلى أن القوات الكردية تحظى بدعم علني من الولايات المتحدة، وسرّي من روسيا، وهي تقوم بهجمات تستهدف القوات التركية باسم «حلفائنا المعروفين لدول حلف شمال الأطلسي، ولا سيما واشنطن». ويصف موقف هذه الأخيرة وغيرها من أعضاء حلف «الناتو» بـ«المنافق»، إذ إنها «متحالفة مع القوات الكردية وتوفّر لها أسلحة ثقيلة ودعماً لوجستياً وتدريباً. وهذا يجعلنا نسأل عمّا إذا كانت الولايات المتحدة حليفتنا أم لا».تحمّل تركيا، إذن، الولايات المتحدة مسؤوليةَ معارضة العملية العسكرية المحتملة في شمال سوريا. وتستدلّ أكثر بقول الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن «واشنطن تشعر بالقلق إزاء الأنباء عن احتمال حصول عملية عسكرية تركية ضدّ الأكراد». في هذا الإطار، يرى أوراق أوغلو أن أميركا لم تفِ بتعهّداتها بسحْب المقاتلين الأكراد إلى عمق 32 كيلومتراً، متّهماً «البنتاغون» بأنه يقف بالكامل وراء استهداف هؤلاء لـ«المنطقة الآمنة» التي تسعى تركيا إلى إنشائها في شمال سوريا لإسكان اللاجئين السوريين فيها. ويقول الكاتب إن الهجوم المحتمل سيكون في منطقة عمليات قوات المراقبة الروسية، ولكنه يُقلق واشنطن التي لن تكون قادرة، في حينه، على حماية القوات الكردية من هجمات الجيش التركي. ويَستبعد أن تتفاهم روسيا، هذه المرّة، مع الولايات المتحدة، وذلك بسبب الحرب الأوكرانية، بل إن يفغيني بريغوجين، الشخصية المركزيّة في قرارات مجلس الأمن القومي الروسي وسياسة الرئيس فلاديمير بوتين الخارجية، يقول إن تركيا كانت محقّة في عملياتها في شمال العراق وسوريا. وهذا يؤيّد موقف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من أنه لا يمكن لتركيا أن تقف متفرّجة إزاء التهديدات التي تواجهها. ويعني ما تَقدّم، بحسب أوراق أوغلو، أن «موسكو تعطي ضوءاً أخضر للعملية التركية، فيما تعارضها واشنطن». وهو ما عناه إردوغان بقوله: «بادئ ذي بدء، يتعيّن على الجميع القيام بدورهم في هذه الأمور. على أميركا أن تقوم بدورها أيضاً. وإذا لم تقم بواجبها في مكافحة الإرهاب، فماذا سنفعل؟ سنعتني بأنفسنا. لا يمكن محاربة الإرهاب بالحصول على إذن من مكان ما».
يرى إردوغان في عملية عسكرية في شمال سوريا المتنفّس الوحيد له للخروج من مآزقه


من جهته، يلفت الكاتب مراد يتكين، في مقالته عن «صعوبات العملية التركية في شمال سوريا»، إلى أن الرئيس التركي لا يفوّت خطاباً إلّا ويتحدّث عن قرب بدء العملية العسكرية ضدّ القوات الكردية. وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة وروسيا و«حزب العمّال الكردستاني» و«قوات حماية الشعب» وحتى إيران و«حزب الله» اللبناني، اتّخذوا جميع الاحتياطات اللازمة حتى هذه الساعة، بحسب يتكين. مع هذا، فإن النقاشات حول ارتباط العملية بالشأن الداخلي التركي، بدأت تتصاعد، في ظلّ اتّهام إردوغان بالسعي إلى كتابة «قصة نجاح» جديدة يستخدمها في الانتخابات الرئاسية التركية بعد عام. ويكرِّر الكاتب موقف واشنطن المعارِض للعملية، بالقول إن مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، أبلغ مستشار إردوغان، إبراهيم قالين، بضرورة «الامتناع عن تصعيد التوترات في سوريا من أجل الحفاظ على الوقف الحالي لإطلاق النار، وتجنّب المزيد من زعزعة الاستقرار». ويعرّج يتكين على الاتّصال بين إردوغان وبوتين، مشيراً إلى أن الحاجة إلى عملية عسكرية تركية قد تتضاعف، بعدما «بدأت روسيا في سحب جزء كبير من قواتها في سوريا (بين 60 و67 ألف جندي) إلى الجبهة الأوكرانية»، بحسبه. ويَعتبر الكاتب أن تركيا مضطرّة لملء «الفراغ» الروسي، حتى لا يملأه «العمّال الكردستاني» المدعوم أميركياً، أو إيران بالتعاون مع «حزب الله». ويرى الكاتب أن المشكلة مع الأميركيين هي أنهم ليسوا في وارد الاستعداد للتخلّي عن القوات الموالية لـ«الكردستاني» كما أنهم بدأوا، منذ أشهر، بزيادة الدعم لليونان - عدوة تركيا -، حيث أقاموا 11 قاعدة عسكرية، اعتبرتها تركيا موجّهة ضدّها. كذلك، فإن التوتّر بين أنقرة وواشنطن، وبالتالي معارضة الأخيرة العملية العسكرية في سوريا، يأتيان في ظلّ الاستقبال الحارّ جدّاً للرئيس اليوناني، كرياكوس ميتسوتاكيس، من قِبَل الكونغرس الأميركي. وقد فُسّر الموقف الأميركي من قِبَل ميتسوتاكيس، على أنه إشارة إلى أن واشنطن قد تحجم عن بيع طائرات «إف-16» إلى أنقرة.
وفق وسائل الإعلام التابعة لحزب «العدالة والتنمية»، فإن العملية العسكرية التركية قائمة، لكنها مؤجّلة قليلاً. ويزيد من إصرار إردوغان على القيام بهذه العملية، استغلال الانشغال الروسي بالحرب الأوكرانية، خصوصاً أن الهجوم، إن حصل، سيكون في نطاق جغرافي فيه وجود عسكري غير وازن لروسيا، وخارج الوجود العسكري الأميركي. وما يُبقِي احتمال العملية كبيراً هو أن سعر صرف الليرة التركية يواصل تراجعه، متخطّياً الـ16 ليرة في مقابل الدولار، على الرغم من تحسين العلاقات مع إسرائيل، ومع دول نفطية غنية مِن مِثل السعودية والإمارات. وأمام عدم انعكاس الدعم المالي لتركيا تحسُّناً على الصعيد الاقتصادي، فإن إردوغان يرى في عملية عسكرية في شمال سوريا المتنفّس الوحيد له للخروج من مآزقه، والظهور أمام الرأي العام التركي بمظهر «فاتح كوباني» الذي سيحسّن وضعه في استطلاعات رأيٍ لا تزال تعطيه فرصة ضئيلة للفوز في انتخابات الرئاسة في حزيران من العام المقبل.