طهران | إذا كان البرنامجان النووي والصاروخي الإيرانيان شكَّلا، على مدى العقدَين الأخيرَين، مصدر قلق للغرب، ولا سيما الولايات المتحدة ومعها إسرائيل، فإن برنامج المسيَّرات الإيرانية، أُضيف، منذ بعض الوقت، إلى قائمة الهواجس الغربية، ومثّل سبباً لتصعيد مسار المواجهة في ما بين الطرفَين. وعرضت وسائل الإعلام الإيرانية، يوم السبت الماضي، مقطعاً مصوّراً عن زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوّات المسلّحة، اللواء محمد باقري، إلى قاعدة تحت الأرض مخصّصة للطائرات المسيّرة، ومصنّفة على أنها «سرّية للغاية». وفي المقطع، ظهرت «مسيَّرات إيرانية مقاتِلة، وأخرى للرصد والاستكشاف والتدمير مزوّدة بمنظومات صاروخية، وقنابل محلّية الصنع، ومنظومات الحرب الإلكترونية». وتحتضن هذه القاعدة «طائرات من دون طيّار (درونز) استراتيجية للجيش، تشمل أكثر من مئة مسيَّرة من طرازات (كمان 22) و(كمان 12) و(أبابيل 5) و(مهاجر 6) و(فطرس) و(كرار)، مزوّدة بأنواع مختلفة من الذخيرة والقنابل والصواريخ الاعتراضية وصواريخ جو - سطح وقذائف محلّية». وتُظهر هذه الإمكانات أن إيران استطاعت، خلال السنوات الأخيرة، وعلى رغم العقوبات الأميركية المفروضة عليها، تطوير برنامجها الصاروخي، فضلاً عن استثمارها اللافت في تعزيز بنية مسيَّرات الرصد والاستكشاف، كما المسيَّرات الحربيّة المقاتِلة.وقد بدأت الجمهورية الإسلامية في تطوير هذه الصناعة منذ حرب الخليج الأولى (إيران والعراق). وهي تمكّنت من تعزيز قدراتها التكنولوجية في هذا المجال، حتى في خضمّ الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان والعراق. ويمكن اعتبار برنامج المسيَّرات الإيراني مكمِّلاً للبرنامج الصاروخي، في إطار العمل على تحسين قدرات البلاد في الحروب غير المتكافئة، والتي باتت تمثّل السِّمة الرئيسة لساحات القتال في الشرق الأوسط. وأثار تطوّر القدرات الإيرانية في مجال تصنيع «الدرونز»، إلى جانب تزويد طهران القوى المتحالفة معها، بما فيها «حزب الله» في لبنان و«أنصار الله» في اليمن والفصائل الفلسطينية، بأنواع مختلفة منها، قلقاً واسع النطاق، ولا سيما في الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، لجهة تغيُّر التوازن العسكري في المنطقة لمصلحة محور المقاومة، ودفَعهما بالتالي إلى القيام بأعمال تخريبية وخطوات عقابية لإحباط ذلك التطوّر.
بدأت الجمهورية الإسلامية في تطوير صناعة المسيَّرات منذ حرب الخليج الأولى


وجاءت زيارة باقري إلى القاعدة السرّية لمسيَّرات الجيش، بعد ثلاثة أيّام من التفجير الذي وقع في أحد مباني مجمع التكنولوجيا الصاروخية والنووية والمسيَّرات في وزارة الدفاع الإيرانية في منطقة بارجين في ضواحي طهران، في هجوم يتطابق مع الهجمات الإسرائيلية السابقة. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نقلت، أخيراً، عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، قوله إن «إسرائيل نفّذت، في مطلع شباط الماضي، هجوماً بستّ مسيَّرات من طراز كوادكوبتر التي تحتوي على متفجّرات، على منشأة بالقرب من كرمانشاه غرب إيران، تشكّل المصنع الرئيس لإنتاج المسيَّرات العسكرية الإيرانية وتخزينها». وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، أن أعلن أن تل أبيب اعترضت، في شتاء العام الماضي، مسيّرتَين إيرانيتَين كانتا تنويان دخول الأراضي المحتلّة. وفي وقت سابق، ذكرت تقارير أن هاتين المسيّرتَين قد أُسقطتا، علماً أن الهجوم الذي نُفِّذ قَبل بضعة أشهر على ناقلة النفط الإسرائيلية «مرسر استريت» في سواحل عُمان، نُسب إلى مسيّرة إيرانية أيضاً. وفيما تؤرّق هذه الصناعة كيان الاحتلال، عرض قائد القوّة الجوّية الإسرائيلية بدء تعاون «دفاعي» مع بلدان المنطقة، بما فيها الإمارات والبحرين، لمواجهة «التهديد» الناجم عن المسيَّرات الإيرانية.
وفي موازاة الإجراءات التخريبية الإسرائيلية، صعّدت واشنطن، هي الأخرى، من مساعيها لمواجهة البرنامج الإيراني.، إذ صادق مجلس النواب الأميركي، في نيسان الماضي، على مشروع قانون «لوقف أنشطة الطائرات المسيَّرة الإيرانية»، تُفرض بموجبه عقوبات على الأشخاص والكيانات التي تشارك في توفير وبيع أو نقل السلاح والمواد إلى إيران أو منها. وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في وقت سابق، إن بلاده ستتّخذ الإجراءات اللازمة للحدّ من توسُّع البرنامج، فيما فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في تشرين الأوّل الفائت، عقوبات على أربعة مواطنين إيرانيين، بمن فيهم سعيد أقاجاني، قائد وحدة المسيَّرات في مؤسسة الجو - فضاء التابعة للحرس الثوري، وشركتان إيرانيتان بتهمة الارتباط بالحرس. بيدَ أن ثمّة شكوكاً حول تأثير هذه العقوبات؛ إذ على النقيض من الصناعة الثقيلة للبرنامج النووي، فإن صناعة «الدرونز» تعتمد في الغالب على المكوّنات التجارية التي تتوافر في السوق الحرّة. وعليه، فإن من الصعوبة بمكان التحكُّم بتلك السوق ومنع هكذا مبيعات. ويشير كلّ ما تقدَّم إلى أن معركة المسيَّرات بين إيران وإسرائيل، تتّخذ يوماً بعد يوم أبعاداً أوسع وأكثر تعقيداً.