لعمران خان، كما صار معروفاً، روايته الخاصة لِمَا حدث في باكستان: «مؤامرةٌ» حيكت على يد الولايات المتحدة وأدواتها لإطاحته من رئاسة الوزراء «لأنِّي كنت ضدّ غزو العراق... وضدّ غزو أفغانستان، لأنّي أرفض احتلال فلسطين ومنْح القدس للصهاينة، لأنّي لا يمكن أن أكون ذيلاً أو عبداً لهم». لا يشاطر أحدٌ خان هذا الرواية، سوى أنصاره مِن الذين نزلوا إلى الشارع بأعداد بدت مخيّبة لآمال زعيمهم، حين سبقهم إلى ما كان يفترض أنها حركة احتجاجية على مآل البلد الذي عاد ليحكمه الحزبان السلاليان: «الرابطة الإسلامية الباكستانية» بقيادة آل شريف، و«الشعب الباكستاني» بزعامة عائلة بوتو. على أنه لا يمكن حصْر السياسة في باكستان في التنافر أو التلاقي بين أحزابها، لاعتبارات عدّة، يجيء في مقدّمها النفوذ الذي تحظى به كلٌّ من المؤسّسة العسكرية، والمحكمة العليا، أعلى سلطة قضائية في هذا البلد، والتي ألغت قرارَ خان حلّ البرلمان ليمضي من بعدها في مقترح حجب الثقة عنه، في العاشر من نيسان الماضي. على هذه الخلفية، تجدَّدت الأزمة السياسية في باكستان، بعدما حشَد زعيم حزب «حركة إنصاف»، خان، الأسبوع الماضي، أنصارَه للتظاهر في عدد من المدن الباكستانية ضدّ الحكومة الائتلافية الجديدة بقيادة شهباز شريف، وللمطالبة بانتخابات جديدة وحلّ مجلس النواب ومعه الحكومة. وعلى رغم قرار رئيس الوزراء السابق إلغاء المسيرات الاحتجاجية، فهو حذَّر السلطات من أنه وأنصاره سيعودون إلى الشارع ما لم تَدْعُ «الحكومة المستوردَة» إلى إجراء انتخابات في غضون ستة أيّام، قائلاً: «اليوم، وبعدما زلزلت زمجرات الشعب الباكستاني الغاضب عروش العمالة، نمنح الحكومة مهلة ستة أيام لحلّ البرلمان والإعلان عن انتخابات مبكرة، وإلّا فسأعود إلى إسلام أباد ومعي مليونا شخص». ومَن يُهدّد بمليونيّة، ليس إلّا زعيم حزبٍ لم يتمكّن من حشْد ما يزيد على آلاف الأشخاص، لإحداث انقلاب في المشهد السياسي. وبتقدير المحلّل السياسي، قمر شيما، وفق ما نقلت عنه وكالة «فرانس برس»، شكّل التحرّك «فشلاً لعمران خان، إذ منع قمع الشرطة مناصريه من البقاء طويلاً في الشارع كما كان يُتوقّع. ومع وجود 30 ألف متظاهر فقط، لم يكن البقاء في إسلام أباد لمواجهة الشرطة فكرة سديدة. لو نجح خان في جمع عددٍ أكبر من المحتجّين، لما كان أعطى مهلةً للحكومة، إنّه لا يملك قوّة تفاوضيّة». مع هذا، أثار إعلان خان إلغاء المسيرات الاحتجاجية، تكهّنات حول إمكانية وجود مفاوضات سريّة بين الجانبين لحلّ الأزمة الآخذة في التوسُّع. وبحسب وسائل إعلام باكستانية، وافق خان على إجراء محادثات مع الحكومة الائتلافية، ستتركّز خصوصاً على «الإصلاحات الانتخابية»، على أن تجري «خلف الكواليس في المرحلة الأولى»، قبل أن تتحوّل إلى مفاوضات رسمية، إذا وجد الطرفان أنها لن تسفر عن أيّ نتيجة إيجابية. ويُجلّي ما سبق، ما لمّح إليه رئيس الوزراء الباكستاني من أن «أبواب الحوار مفتوحة»، وأنه «يمكن تشكيل لجنة لمناقشة قضيّة الانتخابات»، التي قال إن موعدها سيحدِّده البرلمان. وهو عرضٌ تلقّفه الأمين العام لـ«حركة إنصاف»، أسد عمر، بالترحيب، معتبراً أن على شهباز شريف أن يعلن عن تشكيل لجنة لإجراء انتخابات جديدة مع تحديد موعد لهذه الانتخابات، المجدولة أصلاً في تشرين الأوّل 2023.
تسعى الحكومة، الآن، جاهدة للحصول على مساعدة عاجلة من «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي»


وفيما لا يمكن الجزم بمآل المفاوضات، في حال انعقادها، إلّا أن «معركة» خان إمّا أن تخمد بفعل قلّة المناصرين وغياب ظهير محلّي أو إقليمي واضح، خصوصاً بعدما أفسح العسكر الطريق أمام خروجه من السلطة، لتأتي المحكمة العليا من بَعده وتصدّق على ذلك، أو أن يُصار إلى الاتفاق بين الأطراف المتخاصمين، في ظلّ وجود حكومة هشّة لا يُتوقَّع أن تُحدِث «معجزات» في بلدٍ يعاني أكثر ما يعانيه من أزمةٍ خانقة على المستوى الاقتصادي، شكَّلت هي الأخرى عاملاً رئيساً في تراجع حظوظ خان. وإذا كان نجم الكريكت السابق تحدَّث عن أن «دور السفارة الأميركية في إزاحة الرئيس (المصري الراحل محمد) مرسي عام 2013، ثم في إزاحة عمران خان عام 2022، عبر انقلاب المؤسسة العسكرية، كافٍ لكشف واقع العالم الإسلامي في أكبر بلدانه، حيث الشعوب فاقدة للحرية، والدول فاقدة للسيادة، ولا تزال تخضع للاستعمار الغربي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً»، مشيراً إلى أنه «لم يَعُد بمقدور البيت الأبيض حُكم العالم عن طريق سفاراته»، فهو لا يبدو مقتنعاً بأن نجوميّته التي ملأت فراغاً، يومَ قاد منتخبَ بلاده للفوز بكأس العالم للكريكت، في عام 1992، قد تكون بدأت بالأفول.