اعتباراً من يوم الغد، ستكون كولومبيا على موعد مرجّح مع تحوّل دراماتيكي في تاريخها الحديث، إذا ما فاز المرشّح اليساري، غوستافو بيترو، في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية. تحوّلٌ سيلقي بظلاله، حُكماً، على منطقة أميركا اللاتينية برمّتها، بالنظر إلى كوْن بوغوتا الحليف الأقرب للولايات المتحدة هناك، و«المطبخ» الذي تُعدّ فيه واشنطن خططها ضدّ الحكومات اليسارية في «حديقتها الخلفية». وتُظهر استطلاعات الرأي استياءً واسع النطاق من حكومة الرئيس اليَميني الحالي، إيفان دوكي، والتي كان «من بين أكثر المتضرّرين منها الشباب الكولومبيون، الذين قادوا احتجاجات واسعة العام الماضي، عُرفت باسم الإضراب الوطني، وقُتل فيها ما لا يقلّ عن 60 متظاهراً على أيدي الشرطة»، وفق ما تُقرّ به صحيفة «ذي نيويورك تايمز» الأميركية. ومن هنا، يَتوقّع بعض المحلّلين أن يصوّت الشباب بأرقام قياسية، علماً أن عدد المدعوّين إلى الاقتراع يفوق 39 مليوناً. ويتقدّم المرشّحين اليساريُّ غوستافو بيترو (62 عاماً)، الذي يقود تحالفاً تقدّمياً. وبيترو هو سياسي وخبير اقتصادي، شغل منصب عمدة بوغوتا السابق. وحتى الآن، تُبيّن استطلاعات الرأي تقدّمه على جميع المرشّحين بنسبة تصويت لصالحه تُراوح بين 38.8 و 46.5%. ومن المتوقّع أن يفوز بيترو في الجولة الأولى، ليظلّ السؤال حول مَن سيٌنافسه في الجولة الثانية؟ وفق الاستطلاعات، يأتي اليميني فيديريكو فيكو غوتيريز في المركز الثاني، مع نسبة تصويت تُراوح بين 20.6 و31.5%. وغوتيريز (47 عاماً)، المدعوم من الائتلاف السياسي للرئيس الحالي نفسه، مهندس مدني ومُتخصّص في العلوم السياسية، وقد شغل سابقاً منصب عمدة مدينة ميديلين (2016 ـــ 2019). ويأتي المرشّح رودولفو هيرنانديز، من «رابطة حكّام مكافحة الفساد» (شعبوي)، في المركز الثالث، وهو مهندس مدني أيضاً وصاحب شركة «HG Constructora»، وقد انتُخب عام 2016 رئيساً لبلدية بوكارامانغا. ووفق الاستبيانات، سيحصل هيرنانديز على ما بين 12.7 و 21.2% من الأصوات. أمّا المرشّح الرابع فاسمه جون ميلتون رودريغيز غونزاليس (52 عاماً)، وانتماؤه إلى تحالف «غوستا ليبريس» (اليمين الإنجيلي)، وهو عضو في مجلس الشيوخ منذ عام 2018، ويضمّ حزبه اليميني معظم المنظّمات الإنجيلية في البلاد. والمرشّح الخامس، هو سيرجيو فاجاردو، الذي كان رئيساً لبلدية ميديلين من عام 2004 إلى 2007، وأيضاً حاكم أنتيوكيا من 2012 إلى 2015. ويُعتبر فاجاردو، الحاصل على ماجستير ودكتوراه من جامعة «ويسكونسن» في اختصاص الرياضيات، مرشّح الوسط، وتنتقده شريحة كبيرة من اليسار، فيما يتّهمه اليمين بأنه متحالف مع اليسار. وإلى جانب مَن تقدّموا، ثمّة مرشّحان آخران هما المحامي إنريكي غوميز مارتينيز من حركة «الإنقاذ الوطني» (يمين)، والكاتب الليبرالي لويس بيريز.
يتقدّم المرشح اليساري، غوستافو بيترو حتى الآن في استطلاعات الرأي


تحدّيات كثيرة ستَمثل أمام الرئيس الجديد، الذي سيتولّى الحُكم رسمياً في السابع من آب المقبل، وعلى رأسها ارتفاع عدد الفقراء من 17.4 مليوناً إلى 21 مليوناً (2019 - 2021). ووفق إدارة الإحصاءات الوطنية، فإنّ 70% من الكولومبيين معرّضون اليوم لخطر الوقوع في الفقر. وتالياً، يأتي التضخّم الاقتصادي، خصوصاً أن بوغوتا تُواجه اليوم أحد أعلى معدّلات التضخم في السنوات الـ25 الماضية، بسبب انتشار جائحة «كوفيد - 19»، إضافة إلى مهمّتَي إصلاح نظام التقاعد ومواجهة الهجرة الفنزويلية. كذلك، تَحضر ظاهرة العنف التي ازدادت وتيرتها أخيراً بشكلٍ ملحوظ، وتزايدت معها خروقات اتفاقية السلام الهشّة بفعل تهاون حكومة دوكي في تطبيقها. ووفق ما نقلت وكالة «دويتشه فيليه بالإسبانية» عن الباحثة في معهد «Arnold Bergstraesser»، فيفيانا غارسيا بينزون، فإنّ «الاتفاقية المُوقَّعة مع منظّمة الفارك، تأتي على رأس قائمة الأولويات، خصوصاً بالنظر إلى ارتفاع وتيرة العنف شبه العسكري أخيراً بشكلٍ ملحوظ». وأرجعت الباحثة ذلك إلى تدهور الأمن، محذّرة من أن هذه الظاهرة «تؤدي إلى مزيد من التشرذم». يُذكر أنه عندما تولّى دوكي منصبه عام 2018، كان لدى كولومبيا أدنى معدّل جرائم قتل في التاريخ، بحسب ما تَذكره الوكالة نفسها، لكن بفعل عدم تنفيذ الحكومة لاتفاقية السلام، بل وتعمّدها تصفية عدد من قادة المنظّمة اليسارية، تدهورت الأوضاع في السنوات الأربع الماضية.
كذلك، سيكون تحدّي إصلاح جهاز الشرطة، خصوصاً بعد الانتهاكات التي أقدم عليها الأخير مع موجات الاحتجاج الأحدث في كولومبيا، والتي وُصفت بـ«الوحشية»، أساسياً بالنسبة إلى الرئيس الجديد. وفي هذا السياق، يَذكر باحث علم الاجتماع القانوني، رودريغو أوبريمني، أن الشرطة في عام 2021 «خرجت تماماً عن السيطرة، كما يتّضح من القمع العنيف للانتفاضة الاجتماعية، والتصريحات الصاخبة لقائد الجيش إدواردو زاباتيرو ضدّ مرشح المعارضة غوستافو بيترو»، الأمر الذي يوجب «تحديد وتنفيذ سياسة أمنية جديدة لمواجهة الجريمة المنظَّمة من قِبَل القوات العامّة غير الخاضعة للرقابة والمسيّسة». أمّا في ما يخصّ اتفاقية السلام، فيتساءل أوبريمني: «ما الذي يمكن وينبغي للرئيس المقبل أن يفعل بسلام فاتر؟»، ليجيب بأن «التحدّي يتمثّل في الإصلاح الريفي الشامل، وتعميق الانتقال السياسي»، فضلاً عن «السعي للتفاوض مع معظم الفاعلين السياسيين المسلّحين مثل جيش التحرير الوطني».