في صبيحة اليوم الذي تلا محاولة الانقلاب الفاشلة، في 15 تموز 2016، كانت المشاهد عند جسر بوغازتشي لافتة، حيث استسلم عشرات الجنود الانقلابيين لشبّان مدنيّين يحملون السلاح. وهؤلاء لم يكونوا من الاستخبارات السريّة، بل تابعين لِما أطلق عليه البعض «جيش إردوغان السرّي». ظَهر، وقتها، وبما لا يدع مجالاً للشكّ، أن هناك جماعات مدنية مدرّبة عسكرياً تنتمي إلى حزب «العدالة والتنمية»، وتتدخّل عند الحاجة للدفاع عن سلطة الحزب ورئيسه. وعندما لا يكون الجيش أو الشرطة في وضع يمكّنهما من التدخّل، تخرج على الخطّ تنظيمات سريّة تحت عناوين مختلفة، من مثل شركة «بلاك ووتر» الأميركية، أو «فاغنر» الروسية، لتقوم بأدوار «خاصّة». وما يحدث في تركيا، راهناً، يدخل تحت هذا العنوان؛ إذ يطوف اسم منظّمة «سادات» على كل لسان، وهو الأحرف الأولى بالتركية لمنظمة «شركة الصناعة والتجارة للاستشارات الدفاعية الدولية» (SADAT)، والتي تشمل خدماتها: الاستشارات، والتدريب العسكري التقليدي وغير التقليدي، وتدريب قوات خاصّة. وبحسب بيان التأسيس، «تعمل الشركة على خلْق بيئة للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين الدول الإسلامية تحديداً، وجعل الدول الإسلامية مكتفية ذاتياً على صعيد تقديم الخدمات الآيلة إلى تنظيم القوات المسلحة وقوى الشرطة والدرك وتقديم الاستشارات، وجعل هذه الجيوش رائدة في العالم». وللمنظّمة أيضاً تنظيم شقيق هو «مركز الدراسات الاستراتيجية للمدافعين عن العدالة» (أسام ASSAM).ويرأس المنظّمة عدنان تانري فيردي (1944)، الذي دخل المدرسة الحربية في عام 1964، ولمع نجمه في عهد الانقلاب العسكري عام 1980. لم يكن تانري فيردي يخفي ميوله الإسلامية، بل يقوم بالدعاية للنزعة الإسلامية داخل الجيش، علما بأن الأخير، بعد انقلاب 1980، كان متعاطفاً مع القاعدة الإسلامية لاستمالتها في الصراع ضدّ الشيوعية، بناءً على تعليمات «حلف شمال الأطلسي». وتمكّن الرجل من أن يصبح، بين عامَي 1995 و1996، رئيساً للدائرة الصحية في قيادة الجيش البري، إلى أن تقاعد من الجيش في عام 1996 بعد الحملة العسكرية العنيفة التي قامت بها رئاسة الأركان ضدّ العناصر ذات الميول الإسلامية، في عهد حكومة نجم الدين أربكان. بعدها، انتقل عدنان تانري فيردي إلى العمل صحافياً في صحيفة «وقت» الإسلامية المتشدّدة، ومنها إلى العمل في جمعية تابعة لأنور أورين، ومهتمّة ببناء مساكن وجوامع. وعلى رغم تقاعده، قرّر الشورى العسكري طرد تانري فيردي نهائياً من الجيش عام 2004. فبادر، مع سبعة من رفاقه العسكريين، إلى تأسيس «جمعية المدافعين عن العدالة» (ASDER) التي ترأّسها. واشتهرت رسالته، في عام 2008، إلى رئيس أركان الجيش، حلمي أوزكوك، والتي قال له فيها: «لم يبقَ لتقاعدك سوى بضعة أشهر. فكّر للمرّة الأخيرة. كن منسجماً مع الإرادة الشعبية ولا تخالفها. لا أعتقد أنك مسرور ممّا وصلت إليه اليوم. على رغم مرور 10 سنوات على تقاعدي، فإنني منزعج من الدور السلبي للقوات المسلحة في مجريات الأوضاع».
يبدي البعض تخوّفاً من أن تُستخدم «سادات» أداةً في السياسة الداخلية

وفي 28 شباط 2012، قرّر عدنان تانري فيردي تأسيس شركة «سادات»، ومقرها في إسطنبول. ولهذا التاريخ رمزيته، إذ إنه يصادف قرارات مجلس الأمن القومي التركي في عام 1997، والتي اعتُبرت «انقلاباً مقنّعاً» أطاح لاحقاً حكومة أربكان. وشارك مع عدنان في تأسيس الشركة، 23 من الضباط الآخرين المتقاعدين. ومنذ عام 2016، تولّى مليح تانري فيردي رئاسة الشركة بدلاً من أبيه، فيما انتقل عدنان، في آب من العام نفسه، إلى موقع أمني في غاية الأهمية: المستشار الأمني لرئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان. وقد أثارت كلمته، في نهاية عام 2019، حين كان لا يزال مستشاراً أمنياً لإردوغان زوبعة من الردود. وتساءل تانري فيردي، في حينه: «هل سيكون هناك اتّحاد إسلامي؟ سيكون. ولكن متى؟ عندما يأتي الإمام المهدي. وإلى حينه، ألا يتوجّب علينا القيام بعمل ما، وتحضير الأرضية لذلك؟ نعم. وهذا ما جاءت أسام لتقوم به»، وهو ما اضطرّ بعده إلى الاستقالة من فريق رئيس الجمهورية الأمني.
تصنَّف منظمة «سادات»، بموجب الترخيص الممنوح لها، على أنها «جمعية»، في حين أنها منظّمة تدريب أمنية. وبحسب زعيم حزب «الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو، فإنه «لا يمكن في بلد ديموقراطي أن تصنَّف منظمة كهذه، جمعية. فالجمعيات ليس من وظيفتها تجنيد الناس ولا تدريبهم على مهامّ حربية أو إرهابية. ولكن إذا حصلت منظّمة على مثل هذه المهامّ، فهذا مدعاة للقول إنه لا يمكن أن ينشأ في تركيا نظام ديموقراطي سليم». جاءت بعض تصريحات كيليتشدار أوغلو بعد محاولته وأعضاء في حزبه، في 15 أيار الجاري، زيارة الشركة، بعدما شاعت أنباء عن تدريبات عسكرية من جانبها لعدد كبير من اللاجئين السوريين. واستغرب كيليتشدار أوغلو منعه من الدخول، متّهماً الشركة بأنها تعمل بصورة غير شرعية «وتؤسّس لمناخات إرهابية وتخويفية» في البلاد، دفاعاً عن النظام الحاكم. لكن مليح تانري فيردي ردّ على كيليتشدار أوغلو، قائلاً إن الشركة لا تدرّب جيوشاً ولا علاقة لها بأيّ نشاطات إرهابية في البلاد.
وبدا «العدالة والتنمية» مربَكاً ومحرَجاً عندما أعلن إردوغان أن لا علاقة له بالشركة وبرئيسها. لكن وسائل الإعلام سرعان ما نشرت صورةً لاجتماع ترأّسه إردوغان، بحضور عدنان تانري فيردي ورئيس الاستخبارات التركية، حاقان فيدان. ويكتب أورخان بورصالي، في صحيفة «جمهورييت»، أن «رئيس الجمهورية لا يتذكّر كثيراً من الأمور في الآونة الأخيرة، فكيف ليتذكّر ارتباطاته الوثيقة بعدنان تانري فيردي؟ عندما يقول الرئيس إنه لا علاقة لنا بسادات، فإنه ينسى أنه اصطحب الرئيس المؤسِّس للشركة إلى الاجتماع الأمني ​​الأكثر سريّة والأكثر أهمية في البلاد، وجعله مستشاره الرئيسي وعضواً في مجلس الأمن الرئاسي والسياسة الخارجية». وإذا كانت شركة «سادات» تعدّ ذراعاً أمنية فاعلة للسياسة الخارجية التركية، فإن البعض يبدي تخوفاً من أن تُستخدم الشركة أداةً في السياسة الداخلية، وألّا يسلّم «العدالة والتنمية» بأيّ هزيمة قد تلحق به في الانتخابات الرئاسية المقبلة.