لم يكد الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، يؤدّي اليمين الدستورية في الـ10 من الشهر الحالي، حتى حلّ عليه ضيفاً الرئيس الأميركي، جو بايدن، في إطار رحلة استنهاض ضدّ الصين، قادته أيضاً إلى اليابان. رحلةٌ تنذر بموجة تصعيد جديدة بوجه بكين، لن تكون سيول في موقف مُريح حيالها، خصوصاً بالنظر إلى عمق العلاقة الاقتصادية التي تجمعها بالصين، والتي تجعل الأخيرة أكبر شريك تجاري لها. وخلال السنوات القليلة الماضية، استطاعت كوريا الجنوبية تحت قيادة الرئيس «المُسالم»، مون جاي إن، الحفاظ على موقع متوازن بين حليفها السياسي والأمني وشريكها الاقتصادي، إلّا أنه مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وشروعه في خطوات عملياتية للتعامل مع التحدّي الصيني، بدأت التعقيدات تتزايد أمام سيول، والتي لا يبدو أن الرئيس الجديد سيُجيد التعامل معها؛ إذ إنه يُظهر منذ ما قبل فوزه بالرئاسة نيّته اتّباع استراتيجية «محفوفة بالمخاطر» وفق ما يصفها به الخبراء، الأمر الذي «سينعكس بالدرجة الأولى على ملفّ كوريا الشمالية، التي تجمعها علاقة وطيدة مع الصين».ولعلّ أولى المؤشّرات إلى تلك الانعكاسات هو ما أعلنه يون وبايدن، يوم السبت، من أنهما «يدرسان توسيع التدريبات العسكرية المشتركة لردع التهديد النووي الذي تمثّله بيونغ يانغ»، بعد أن كان مون قد سعى خلال فترة رئاسته إلى الحدّ من هذه التدريبات، منعاً لتصاعد التوتر مع كوريا الشمالية. ويُضاف إلى ما تَقدّم، تركيز واشنطن على حشد «الدول الديموقراطية» في المحيطَين الهندي والهادئ، لتعزيز التعاون معها على المستويات كافة (عسكرياً، اقتصادياً، وسياسياً)، وذلك ضمن جهودها لمواجهة نفوذ الصين في المنطقة، على رغم أن المسؤولين الأميركيين لا يرجّحون فكرة ضمّ سيول إلى «المجموعة الرباعية» (التي تضمّ الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند) الآن. وفي الاتّجاه نفسه، يأتي تعهّد يون بشراء نظام صواريخ «ثاد» إضافي من الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه إثارة غضب كوريا الشمالية، بل والصين أيضاً، علماً أنه في المرّة الأخيرة التي نشرت فيها كوريا الجنوبية هذا النوع من الصواريخ قبل خمس سنوات، كادت تتدهور علاقاتها مع الصين، التي ردّت على هذه الخطوة بفرض عقوبات غير رسمية، بما فيها إنهاء زيارات المجموعات السياحية الصينية، ومقاطعة الشركات الكورية الجنوبية.
ويأتي هذا التشدّد الواضح حيال بيونغ يانغ بعد فترة من التذبذب في مواقف يون، الذي كان صنّف كوريا الشمالية على أنها «العدوّ الرئيس» لبلاده، ثمّ اقترح تسوية معها تتضمن حزمة طموحة من الحوافز الاقتصادية في مقابل نزع سلاحها النووي. وهو تذبذب لم يكن الحليف الأميركي بعيداً منه؛ إذ تَراجع بايدن عن سياسة «القمم والديبلوماسية» التي انتهجها سلفه، لكنّه لم يَعُد إلى مرحلة «الصبر الاستراتيجي» التي كانت قائمة في عهد باراك أوباما، والتي تعتمد على مبدأ الضغط والعقوبات. لكن الجليّ اليوم أن هذا الملفّ سيعود إلى سخونته، خصوصاً أن دعوات الحوار الأميركية والكورية الجنوبية، في حال تَجدُّدها، لا يُتوقّع أن تقابَل بإيجابية من قِبَل بيونغ يانغ، في ظلّ التصعيد المستمرّ ضدّ الأخيرة، الأمر الذي ينطبق على تَوجّه بايدن إلى نظيره الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، بالقول: «مرحباً... فقط».
إزاء ذلك، يَتوقّع الخبراء استمرار سباق التسلّح بين الشمال والجنوب، والذي كان قد بدأ نهاية العام الماضي مع إجراء سيول تجارب صواريخ بالستية قصيرة وطويلة المدى، وعودة بيونغ يانغ إلى تحديث ترسانتها النووية بشكلٍ متكرّر. وفي هذا السياق، يعتقد كريستوفر غرين، المستشار في شؤون شبه الجزيرة الكورية في «مجموعة الأزمات الدولية»، أن «الاختبار الكبير لسياسة يون سيترجَم من خلال كيفية الردّ على الصواريخ الكورية الشمالية والتجارب النووية التي يبدو أنها ستتزايد في المستقبل». وإذ لا يبدو محتوماً أن تؤدّي التوتّرات الحالية إلى حرب، إلّا أن «أيّ سوء تقدير من قِبَل أيّ من الجانبين هو ما يمثّل الخطر الأكبر في الوقت الحالي»، خصوصاً في ظلّ تَوجّه فريق الرئيس المنتخَب إلى فرض عقوبات ضدّ الجارة الشمالية، على غرار ما ذهب إليه «المحافظون» الكوريون الجنوبيون منتصف العقد الأول من القرن الحالي، والذي استدرج ردّاً عسكرياً من كوريا الشمالية، كاد يؤدّي إلى اشتعال الحرب مرّة أخرى.


«كورونا» يصل متأخّراً: بيونغ يانغ «قنبلة موقوتة»
جاء الانتشار المتأخّر لفيروس «كورونا» في كوريا الشمالية، ليزيد من حدّة التعقيدات الآخذة في الاتساع في هذا البلد. ووفق ما ذكرت وسائل إعلام عالمية، فإن عدد حالات الإصابة بأعراض «كوفيد-19»، بات يناهز المليونَين، من إجمالي سكان هذا البلد البالغ عددهم 25 مليوناً، فيما سارع النظام «الشيوعي»، تحت قيادة كيم جونغ أون، إلى محاولة إبطاء وتيرة التفشّي، على رغم النقص الحادّ في مستلزمات الرعاية الصحية بفعل العقوبات التي تقبع بيونغ يانغ تحت وطأتها منذ ما يزيد على 70 سنة. ولا يمكن حصْر انتشار الفيروس، في هذا التوقيت، بالجانب الصحي فحسب، إذ إن الاضطراب الذي يمكن أن يُحدثه تفشّي «كورونا»، سينعكس على المنطقة بأسرها، نتيجة الحدود الكورية المفتوحة مع الصين، من جهة، والتسرّب الذي يحدث باستمرار إلى كوريا الجنوبية، من جهة ثانية. ومن شأن ما تقدَّم، أن يهدّد بعودة انتشار الفيروس في هذين البلدين مرّة ثانية، وسط احتمال أن يَستتبع ذلك موجة إغلاق جديدة، قد تعني تَعطُّل الخطة الاقتصادية التي أطلقتها واشنطن وسيول، قبل أيّام، لمواجهة الصين.
ومع استشعارهما الخطر الآتي من الشمال، سارعت كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى الإعلان عن نيّتهما مساعدة كوريا الشمالية في السيطرة على الوباء، أي تخصيص المستلزمات الطبية واللقاحات. ولكن الأخيرة، لم تبدِ، حتى الآن، تجاوباً مع هذا العرض، لكونها حصلت، في المقابل، على مساعدات صينية كفيلة بضبط الجائحة. وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن دبلوماسيين مطّلعين على مسار الرحلات الجوية، قولهم إن «ثلاث طائرات شحن كورية شمالية حلّقت إلى مدينة شنيانغ الصينية، الأسبوع الماضي، وعادت في نفس اليوم محمّلةً بالإمدادات الطبية الأساسية».
(الأخبار)