موسكو | استضافت روسيا، يوم الإثنين الماضي، القمّة السنوية لقادة «منظّمة معاهدة الأمن الجماعي»، والتي صادفت هذا العام مع الذكرى الثلاثين لإبرام «معاهدة الأمن الجماعي» في 15 أيار 1992، بُعيد سقوط الاتحاد السوفياتي، والذكرى العشرين لإنشاء المنظمة بشكل رسمي عام 2002. الاجتماع الأوّل المباشر منذ عام 2019 (بعد انحسار «كورونا») لقادة روسيا، بيلاروسيا، أرمينيا، كازاخستان، قيرغيزستان وطاجيكستان، جاء في ظلّ الحرب الروسية في أوكرانيا، واستمرار المواجهة المتصاعدة بين موسكو وحلف «الناتو»، والمتوقّع أن تتصاعد حدّتها في المستقبل مع خطط انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، وما يشكّله هذا من تهديد لروسيا. هذه التحدّيات حضرت بوضوح في القمّة، حيث عرض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تطوّرات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتناوَل مسألة انضمام فنلندا والسويد إلى «الناتو»، إضافة إلى الخطر الناتج ممّا تقوم به الولايات المتحدة من «تطوير أسلحة بيولوجية». بدوره، تحدّث الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، عن خطط توسّع «الناتو»، الذي بحسب قوله يريد استقطاب دول محايدة، والعمل على مبدأ «من ليس معنا فهو ضدّنا». وردّاً على ذلك، دعا لوكاشينكو إلى حشد دول «منظّمة معاهدة الأمن الجماعي» كجبهة واحدة، مشدّداً على أنه لا ينبغي لروسيا أن تواجه محاولة «توسيع الناتو» بمفردها.هكذا، أرادت موسكو أن تُظهر اهتمامها بالمنظّمة، وأنها تمتلك نفوذاً وامتداداً في مناطق حيوية وخصوصاً في آسيا الوسطى، مع تزايد الضغوط الغربية عليها، وتسريع خطط «الناتو» للتمدّد باتّجاه حدودها. وتَمظهر الاهتمام الروسي من خلال اقتراح بوتين إعطاء «رابطة الدول المستقلّة» صفة مراقب في المنظمة، وهو ما وافق عليه زعماء الأخيرة، وفق البيان الختامي للقمة. كذلك كشف البيان أن دول «الأمن الجماعي» تعمل على تحسين نظام الاستجابة للأزمات. وفي هذا السياق، يرى مدير «المركز التحليلي لاستراتيجية الشرق والغرب»، ديمتري أورلوف، أن المنظّمة «لا تزال غير نشطة بما فيه الكفاية». ويشير أورلوف إلى أن «السابقة الأولى والوحيدة حتى الآن لاستخدام قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي حدثت في كازاخستان في كانون الثاني الماضي»، مضيفاً أن «الضامن الوحيد لأمن منطقة آسيا الوسطى ظهر أنه روسيا، فيما ثبت أن منظّمة معاهدة الأمن الجماعي قادرة على الدفاع عن مصالحها».
ويُجمع الخبراء على أن المنظّمة لم تسلك سبلاً سهلة للتطوير منذ 20 عاماً، وأن ردّ الفعل السريع على أحداث كازاخستان هو الذي أعطاها دفعة جديدة. وعلى خلفية ذلك، تحدّث وزير الدفاع البيلاروسي، فيكتور خرينين، عن وجود أفق لتوسيع «معاهدة الأمن الجماعي» بشكل ملموس خلال السنوات القليلة القادمة، في ظلّ التطوّرات الحالية على الساحة الدولية. وأعرب خيرينين عن اعتقاده بأن المنظّمة «ستضمّ بعد بضع سنوات ليس ستّ دول فقط، بل عشرات الدول التي تثمّن السلام والاستقرار وليس العدوان وتغيير النظام السياسي في دول أخرى». وفُسّر هذا الإعلان الصادر عن حليف قوي وأساسي لروسيا، على أنه إشارة إلى نيّة الأخيرة توسيع المنظّمة لتكون على شاكلة «حلف وارسو». لكنّ أورلوف يعتقد أن «منظّمة معاهدة الأمن الجماعي لم تصبح بديلاً جادّاً لحلف وارسو ليقف في وجه حلف الناتو».
بدوره، يعتبر كبير الباحثين في «مركز دراسات ما بعد الاتحاد السوفياتي»، ستانيسلاف بريتشين، أنه «لا يزال من الصعب للغاية التحدّث بموضوعية عن التوسّع المحتمل لمنظّمة معاهدة الأمن الجماعي»، عازياً ذلك إلى أن «قطاع الدفاع حسّاس بشكل خاص للبلدان الأعضاء». ويستدرك بريتشين بأنه في ظروف معيّنة، يمكن لأوزبكستان الانضمام إلى المنظّمة بصفة مراقب، «لأنها تُعتبر حليفاً لروسيا أكثر من كازاخستان»، مضيفاً أن تركمانستان، المحايدة تقليدياً، يمكن أن تكون بدورها من الدول المرشّحة للحصول على وضع دولة مراقبة.