طهران | على الرغم من أن مسؤولين أوروبيين رأوا أن زيارة المنسّق الأوروبي لمحادثات فيينا، مساعد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، لطهران، الأسبوع الماضي، «إيجابية»، وتحدّثوا عن «انفراجة جديدة» في محادثات إحياء الاتفاق النووي، إلا أن ثمة شكوكاً كبيرة تحوم حول إمكانية التوصّل إلى اتفاق نهائي في المستقبل المنظور. وجاءت زيارة مورا لإيران في إطار بحْث مخرج لمحادثات إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وتخلّلها لقاؤه مع كبار المسؤولين، بمَن فيهم كبير المفاوضين، علي باقري. وبعد انتهاء الزيارة، أعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن اعتقاده بأنه تمّ تحقيق قدْرٍ من التقدُّم في المحادثات التي أجراها مساعده، ما يتيح إمكانية استئناف المفاوضات المتوقّفة منذ 11 آذار الماضي. من جهته، عبّر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، عن موقف إيجابي من الزيارة، إذ رأى أنها أتاحت مجدّداً فرصةً للتركيز على المبادرات الرامية إلى تسوية الموضوعات العالقة. ومع أنّ أيّاً من الطرفَين الإيراني والأوروبي لم يصرّح عن فحوى المحادثات، غير أن الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أعلن أن بلاده قدَّمت مبادرات ومقترحات خاصة بالاتفاق النووي خلال المناقشات التي وصفها بـ«الجيدة»، مضيفاً إن الجميع ينتظر الردّ الأميركي على تلك المقترحات.في المقابل، قال مصدر دبلوماسي مطّلع في إيران، لـ«الأخبار»، إنه لم يتمّ، خلال زيارة مورا، الاتّفاق على أيّ آلية لتسوية الخلافات بين إيران والولايات المتحدة بخصوص سحب اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية، وإن ما اتّفق عليه الطرفان هو العودة إلى طاولة المحادثات في فيينا. وتبيّن هذه التصريحات أن العقبة الرئيسة التي تعترض إحياء الاتفاق النووي، ما زالت على حالها، ولم يطرأ أيّ جديد في شأنها. وكان مورا قد أعلن أنه بصدد عرض "حل وسط" في هذا المجال، بمعنى أنه إمّا أن يتمّ رفع صفة الإرهاب عن الحرس الثوري مع بقاء العقوبات على قطاعَيه الأمني والاقتصادي، أو أن يتمّ إخراجه من القائمة، على أن يبقى "فيلق القدس"، أي ذراعه خارج الدولة، فيها. وعلى رغم إبداء الاتحاد الأوروبي التفاؤل بشأن استئناف المحادثات النووية، إلا أن الأجواء بدت مغايرة في الولايات المتحدة، حيث نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي أن مشكلات المفاوضات مع ايران ما زالت قائمة، وليس من الواضح بعد ما إذا كان من الممكن التوصّل إلى اتفاق.
يسود الأوساطَ الإيرانية تشكيكٌ كبير في مستقبل المحادثات النووية


وإلى جانب المعضلة المتّصلة بوضع الحرس الثوري، يأتي التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب ليمثّل، هو الآخر، عقبة في طريق الاتفاق، وخصوصاً أن التصريحات الأخيرة لكبير المفاوضين الروس، ميخائيل أوليانوف، تُظهر أن بلاده لا تبدي حماسة لإحياء الصفقة النووية حالياً. إذ قال أوليانوف، في تغريدة يزم الجمعة الماضي: "لو كانت الظروف مختلفة، لكان بوسع روسيا على الأرجح مساعدة الطرفين (إيران وأميركا) على التوصّل إلى توافق نهائي بشأن الاتفاق النووي، لكن الآن كلا"، موضحاً أن بلاده "لا يمكن أن تتوقّع محادثات مثمرة مع أميركا، لأن الأخيرة تخوض الآن حرباً بالوكالة مع روسيا".
من جهة أخرى، يبدو أن ثمة مشكلات فنية من شأن عدم تسويتها أن يعرقل، أيضاً، إمكانية إحياء الاتفاق النووي. وفي هذا الإطار، تطرّق المدير العام لـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، رافايل غروسي، في تصريحاته الأخيرة أمام البرلمان الأوروبي، مرّة أخرى، إلى قضية مشاهدة آثار اليورانيوم المخصّب في إيران. وقال غروسي إن خبراء الوكالة سجلوا وجود هذا اليورانيوم في مواقع لم تصرّح عنها إيران سابقاً على أنها مواقع تخصيب. وبذلك، يكون غروسي قد اتّهم إيران، مبطناً، بممارسة التستّر على برنامجها النووي. وعلى الرغم من أن مسؤولي الجمهورية الإسلامية نفوا تلك المزاعم، واعتبروها بلا أساس، وأكدوا أنهم قدموا لخبراء الوكالة الدولية جميع الإيضاحات اللازمة، غير أن تصريحات غروسي تُظهر أن هذه القضية يمكن أن تشكّل عامل تأزيم للمفاوضات.
وعلى أيّ حال، لا يبدو أن ثمّة تفاؤلاً إيرانياً بالمحادثات؛ إذ يسود الأوساطَ الإيرانية تشكيكٌ كبير في مستقبلها. وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "اعتماد" إلى أنه لم يُعلَن حتى الآن أيّ موعد لاستئناف المفاوضات، ولم تقدَّم تفاصيل بشأن شكلها وصيغتها، وعمّا إذا كانت ستجرى كما الجولات الثماني السابقة في فيينا بين إيران و1+4 وبصورة منفصلة بين 1+4 وأميركا، أو أن ذلك سيتغيّر. واتهمت صحیفة "سياست روز" الأصولیة، من جهتها، الولايات المتحدة بالتسبّب في وقف مفاوضات فيينا، ورأت أن 'الجمهوريين والديموقراطيين وجهان لعملة واحدة"، مؤكدة أنه "لا جديد في ملفّ الاتفاق النووي، ولا يُتوقع حدوث تغيير في مسار المحادثات". وأضافت إن إيران أدركت أنه "لا أمل في إحياء الاتفاق النووي، ولهذا فإنها لن تعطّل إجراءاتها في سبيل المفاوضات النووية، بل تستمرّ في خططها بعدما ثبت عدم رغبة واشنطن في العودة إلى الاتفاق، وعجز الدول الأوروبية عن الوفاء بتعهداتها".