تطرح مسألة انضمام السويد وفنلندا المحتمَل إلى «حلف شمال الأطلسي» تحدّياً أمام هذا الأخير، نظراً إلى أن انضمام أيّ بلد أو اتّخاذ أيّ قرار داخل الحلف، يجب أن يتمّ بإجماع أعضائه، وفي حال معارضة دولة واحدة، يسقط القرار. من هنا، يكتسب اعتراض تركيا على انضمام هذين البلدين إلى «الناتو»، أهميّة بالغة بالنسبة إلى الحلف الذي يسعى، حالياً، إلى تذليل هذه العقبة. إلّا أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، كان حاسماً حين قال إن بلاده لن تكرِّر خطأها مرّتَين: في المرّة الأولى، وافق انقلابيّو 12 أيلول 1980، في ذلك العام، على انضمام اليونان إلى «الأطلسي»، ولم يشترطوا، في المقابل، انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.وتتّهم وسائل الإعلام التابعة لحزب «العدالة والتنمية»، السويد بأنها ليست ملاذاً لمنتسبي حزب «العمّال الكردستاني» وللدعاية المؤيّدة له فحسب، بل أيضاً لمريدي الداعية الإسلامي المعارِض، فتح الله غولِن. وبحسب صحيفة «يني شفق»، فإن ارتباط السويد بـ«العناصر الانفصالية والدينية»، يعود إلى السبعينيات. لهذا، يصبح من «حقّ تركيا» الاعتراض على مساعي السويد للانضمام إلى الحلف، وفق الصحيفة التي تلفت إلى أن البلدين اللذين عُرفا بالحياد، يريدان الآن الانضمام إلى «الناتو»، بسبب خوفهما من روسيا. وتضيف: «لكن، لا يمكن معرفة كيف سيتمّ ذلك، في ظلّ معارضة أنقرة، خصوصاً بعدما تحوّلت استوكهولم إلى المركز الرئيس للإرهاب في أوروبا». في الإطار نفسه، تشير صحيفة «صباح» المؤيّدة للحزب الحاكم، إلى أن لتركيا شرطين للإحجام عن استخدام الفيتو ضدّ انضمام السويد وفنلندا إلى «الناتو»: الأوّل وقْف الدعم لـ«العمال الكردستاني»، ولا سيما لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا؛ والثاني إلغاء الحلف القيود الموضوعة على إنتاج السلاح وتصديره إلى تركيا.
ولبحث العقبة التركية، التقى وزراء خارجية السويد وفنلندا وتركيا على هامش اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية دول «حلف شمال الأطلسي» في برلين. وشرح الوزير التركي، مولود جاويش أوغلو، «بالصور والوثائق» حجم الدعم المالي والإعلامي الذي يقدّمه البلدان لحزب «العمّال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» الكردية. وتطرّق الوزير، في هذا السياق، إلى تصريحات لنظيرته السويدية، آن ليندي، لا تعتبر فيها «العمّال» «منظّمة إرهابية»، قائلاً: «إنها غير بنّاءة، بل تحريضيّة»، فيما وصف موقف نظيره الفنلندي، بيكا هافيستو، بأنه «حذر»، داعياً البلدان إلى وقْف كل أنواع الدعم لـ«العمّال الكردستاني». وفي مسعاها، حصلت تركيا على دعم مبدئي لموقفها من جانب أمين عام «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، الذي قال إن أنقرة «حليف مهمّ في الأطلسي... أنا متأكد من أن الجميع سيتوصّلون إلى قاعدة مشتركة لتبديد القلق».
انضمام أيّ بلد أو اتّخاذ أيّ قرار داخل الحلف، يجب أن يتمّ بإجماع أعضائه


ويقول سليمان سيفي أوغون، في «يني شفق»، إن كل المساعي لمحاولة عزْل تركيا وتطويقها، في السنوات الأخيرة، تبدّدت، وبات أمام هذه الأخيرة «فرصة ذهبية لتحقيق المكاسب، ولتكون حجر الرحى في كثير من القضايا». وإذا أحسنت حساباتها، فإن في إمكان تركيا أن «تفسد لعبة الآخرين ضدّها»، وفق الكاتب. من جهته، يلفت الجنرال المتقاعد، علي آر، إلى أن موافقة تركيا على انضمام السويد لن تكون سهلة، وإن كان يعتبر أن «معارضة إردوغان في هذا التوقيت المبكر، خاطئة. إذ كان على وزارة الخارجية أن تدخل سوق المساومة». ويضيف آر أنه «لو كانت الخارجية التركية هي الممسكة بالملفّ منذ البداية، لكانت كسبت إلى جانبها البرتغال وإيطاليا وإسبانيا، بل وربّما اليونان أيضاً». ويكتب فهيم طاشتكين، في صحيفة «غازيتيه دوار»، أن الحرب الأوكرانية خلقت أمام الولايات المتحدة فرصة حسْم مواقف المتردّدين الأوروبيين تجاه روسيا، وضرورة توسيع «حلف شمال الأطلسي»، وأن رفض إردوغان انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف «يضع الفرصة الأميركية المهمّة لتشديد قبضتها على أوروبا مقابل روسيا، موضع تساؤل».
ولكن إردوغان، في هذا الموقف، إنّما يمارس عادته في الازدواجية، كما يقول الكاتب؛ إذ يعمل على استدراج التعويض والمكاسب. ويضيف: «ربّما تكون مسألة شراء طائرات أف-16 في رأس قضايا المساومة بالنسبة إلى تركيا. ويبقى أن المساومات مستمرّة، فيما يُتوقّع أن يشعل إردوغان الضوء الأخضر لانضمام السويد وفنلندا». لكن الرئيس التركي، بحسب الكاتب نفسه، يحتاج، في النهاية، إلى تطمين روسيا، إذ لا يبدو أن عدم مشاركته في مقاطعتها أو الوساطة التركية في أوكرانيا، كانتا كافيتين. كما يحتاج إلى أن يكمل الروس بناء المفاعل النووي في آق قويو، واستمرار استيراد الطاقة والقمح من روسيا، كما تدفُّق السياح الروس. ووفق الكاتب، فإن «الفيتو التركي قد يكون أكثر فعالية من التهديدات الروسية لفنلندا والسويد. لكن الروس لا يَرون في إردوغان سوى نموذج للمكر الشرقي». وينهي طاشتكين مقالته، بالقول إن «إردوغان يلعب لعبة مزدوجة. ويجرّب إرضاء الأطلسي وبوتين في الوقت نفسه. وفي مرحلة تصفية الحساب مع روسيا واستمرارها مع الصين، يضغط محور الأطلسي ليرى تركيا ضمن لعبته الدولية، علماً أن على أنقرة أن تكون حذرة، وأن تبحث عن طريق ثالث... غير موجود». أما حسن بصري يالتشين، في صحيفة «صباح»، فيرى أن القول إن «الأطلسي» يريد تطويق روسيا، وليس حماية السويد أو فنلندا، هو تشخيص خاطئ. بل إن الولايات المتحدة تريد السيطرة على الاتحاد الأوروبي، أكثر منه موازنة روسيا. وبالنسبة إلى تركيا، «فهي لا تبني مواقفها على العاطفة كما تفعل الدول الأوروبية. وإذا كان لها الحقّ في الاستفادة من التحالف الأطلسي، فَلْتستخدمه حتى النهاية، وعلى الدول التي ستنضمّ أن تلبي رغباتها». ويقول محمد برلاس، في الصحيفة نفسها، إن عضوية السويد وفنلندا غير ممكنة في ظلّ الدعم الأميركي الكامل للأكراد في سوريا، وعدم الأخذ في الاعتبار الأمن القومي التركي بشكل كامل. ويضيف أن انضمام البلدين إلى الحلف، لن يكون إيجابياً من ناحية السلام والاستقرار الدوليَّين، وأن «تركيا لم تعد تركيا القديمة... لديها العزيمة والثبات لتحقيق مصالحها الاستراتيجية».



بوتين يهدّد بـ«إجراءات جوابية»


قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنّ لا مشكلات لبلاده مع فنلندا والسويد، مؤكداً أن انضمامهما إلى حلف «الناتو» لا يشكِّل تهديداً. وأشار بوتين، في كلمة ألقاها أثناء مشاركته في قمّة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في موسكو، إلى أن «توسيع البنى التحتية العسكرية في هذه المناطق، سيؤدّي بالتأكيد إلى إجراءات جوابية، وذلك بناءً على التهديدات التي ستنشأ لنا»، معتبراً أنّ الحلف «خرج عن مهمّته في إطاره الجغرافي، ويحاول بطريقة سيّئة التأثير على مناطق أخرى». من جهته، شدّد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، على أن روسيا لن تتقبّل ببساطة انضمام السويد وفنلندا إلى «الأطلسي»، لافتاً إلى أن الوضع في العالم سيتغيّر بشكل جذري إذا أصبحا جزءاً من الحلف.
(الأخبار)