وفيما ترك الكرملين الباب مفتوحاً أمام تصوّر الردّ الروسي على خطوة هلسنكي، تكفّلت وزارة الخارجية الروسية بالكشف عمّا يمكن أن تقدِم عليه موسكو لحماية أمنها، إذ أكد نائب وزير الخارجية، ألكسندر غروشكو، أن بلاده لن تقف مكتوفة اليدين إذا انضمّت فنلندا إلى "الناتو". وأكد غروشكو أن القوات المسلّحة "ستتّخذ جميع الإجراءات الضرورية المطلوبة لضمان المصالح المشروعة للدفاع". وترى موسكو أن "الناتو"، وبعد فشل خططه في أوكرانيا، لديه هدف وحيد الآن، وهو مواصلة التوسّع نحو الحدود الروسية، وخلْق جناح آخر للتهديد العسكري لروسيا عبر ضمّ فنلندا والسويد.
أكد الكرملين أن انضمام فنلندا المتوقَّع إلى "الناتو" سيشكّل خطراً على أمن روسيا
ولم تشكّل خطوة هلسنكي مفاجأة في موسكو؛ فهي كانت تتوقّع أن تنجح ضغوط الولايات المتحدة وبريطانيا على فنلندا لتغيير سياسة الحياد التي تتبعها والانضمام إلى الحلف، لتضرب بذلك العلاقات التي تجمعها مع روسيا والتي جرت تسويتها في عام 1949. ونجحت العلاقات بين الجارَين، في تعزيز التعاون بينهما في مجالات عدّة: من النفط والغاز والفحم والأخشاب، إلى الغذاء والطاقة النووية. لكن آثار خطوة هلنسكي السلبية سرعان ما ظهرت، وهو ما حذّر منه بوتين، إذ بادرت موسكو إلى قطع الكهرباء عن فنلندا، نتيجة عدم تقاضي شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة، "إنتر آر آي أو"، الأموال مقابل الطاقة المباعة عبر بورصة "نورد بول" الأوروبية منذ 6 أيار الماضي. كذلك، أشار رئيس "الرابطة الروسية لدراسات البلطيق"، نيكولاي ميزيفيتش، إلى أن فنلندا بدأت بإجراءات تؤكد أنها لا تريد أن يكون هناك مزيد من التعاون مع روسيا، وهو ما سيكلّف هلسنكي "غالياً جداً"، وفق تعبيره.
وما لم يقله الكرملين ووزارة الخارجية في تعليقهما على الردّ الروسي، تكفّل به النواب الروس، إذ أكد نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، أليكسي زورافليوف، أن بلاده قادرة على مَحْو فنلندا "خلال ثوان"، مضيفاً: "إذا هدّدت الولايات المتحدة دولتنا، فهذا جيّد: ها هو صاروخ سارمات من أجلكم، وستتحوّلون إلى رماد نووي إذا كنتم تعتقدون أن روسيا لا ينبغي أن تكون موجودة". كذلك، حذّر النائب الأوّل لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما، فياتشيسلاف نيكونوف، من أن "الدول التي توفّر أراضيها لقواعد الناتو تصبح أهدافاً لروسيا، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية".
وانقسمت آراء الخبراء الروس في شأن تقييم جميع المخاطر الناتجة من اقتراب "الناتو" من الحدود الروسية. وقال الخبير العسكري، إيفان كونوفالوف، إن انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، لن يغيّر بشكل كبير ميزان القوى في المنطقة، مستدركاً أن البلدين لن يسمحا بنشر البنية التحتية للحلف على أراضيهم لأنهما "يعرفان جيداً مدى خطورة ذلك على العلاقات مع روسيا". في المقابل، يؤكد مدير البرامج في "منتدى فالداي"، إيفان تيموفيف، أنه "لا يوجد شيء جيّد للمصالح الروسية في دخول السويد وفنلندا إلى الناتو"، لأن "توسيع الحلف يأتي بنتائج عكسية من وجهة نظر الأمن الروسي"، حيث ستتوسّع حدود روسيا المباشرة مع "الناتو"، بأكثر من 1300 كيلومتر.
وبحسب الخبراء الروس، فإن موسكو ستضطر لزيادة إمكاناتها العسكرية في المنطقة، مع ما يعنيه ذلك من تخصيص إمكانات مادية كبيرة في الموازنة الروسية. وفي هذا السياق، يلفت الخبير العسكري، رئيس تحرير "مجلة الدفاع الوطني" إيغور كوروتشينكو، إلى أن تشكيل مجموعات جديدة من القوات على الحدود مع فنلندا، سيتطلّب وقتاً طويلاً يتراوح من 5 إلى 7 سنوات، وتكاليف مالية كبيرة. من هنا، يقترح كوروتشينكو نقْل الأسلحة النووية التكتيكية إلى قوات المنطقة العسكرية الغربية وأسطول البلطيق، إضافة إلى ضرورة تثبيت رؤوس حربية نووية تكتيكية على أنظمة صواريخ "إسكندر" وصواريخ "كروز" البحرية من طراز "كاليبر".