إلّا أنه بعد انطلاق الحرب في أوكرانيا، ظهر جليّاً حجم التباين بين موسكو وتل أبيب، حيث اتّخذت الأخيرة موقفاً حذراً، يسمح لها، وفق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، باحترام مصالحها و«البقاء كأحد اللاعبين الموثوقين الذين يمكنهم التحدّث مباشرة إلى كلا الجانبين وتقديم المساعدة». حاول بينيت، بعد ذلك، لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، وأجرى من نهاية شباط إلى نهاية آذار، ستَّ مكالمات هاتفية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. كما زار في أوائل آذار، كلّاً من موسكو وكييف، لكن لم يحصد شيئاً من وساطته، لينقطع التواصل بينه وبين بوتين في نيسان الفائت. وعلى رغم الضغوط الغربية لحشد أكبر عدد من الدول التي تفرض عقوبات على روسيا، إلّا أن إسرائيل امتنعت عن الانخراط في ذلك، لكنّها صوّتت لصالح قرار إدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيضاً قرار تعليق عضويتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وبعد هذا بمدّة، وعلى إثر ما نُشر حول حادثة مدينة بوتشا الأوكرانية، واتّهام كييف موسكو بارتكاب «مذبحة» بحق المدنيين، وصف لابيد «الأذى المتعمّد بحقّ السكّان المدنيين» بأنه «جريمة حرب». ولم تمرّ هذه التصريحات، إضافة إلى قول لابيد إن «الغزو الروسي لأوكرانيا لا يمكن تبريره»، مرور الكرام لدى وزارة الخارجية الروسية؛ إذ أعادت الوزارة، في بيان رسمي نُشر على موقعها، تذكير إسرائيل بالاحتلال غير الشرعي للأراضي الفلسطينية، وتحويل قطاع غزة إلى «سجن مفتوح». وقد كانت هذه المرّة الأولى التي تتخذ فيها النبرة الروسية طابعاً حادّاً بتلك الدرجة.
بعد انطلاق الحرب في أوكرانيا، ظهر جليّاً حجم التباين بين موسكو وتل أبيب
على أن ذلك لم يكن ذروة التوتّر، بل بلغ الأمر أقصاه عقب تصريحات لافروف الأخيرة التي أثارت عاصفة انتقادات إسرائيلية، بوصفها «خطأ تاريخياً فادحاً»، ليعقب هذا قيام وزارة الخارجية الروسية بنشر ردّ عبر قناتها على «تلغرام»، عدّت فيه التصريحات الإسرائيلية «معادية للتاريخ»، وشرحت مسار الدعم الإسرائيلي لنظام «النازيين الجدد» في كييف. وتبع البيانَ المذكور إعلانُ المتحدّثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، وجود «مرتزقة من إسرائيل» في صفوف كتيبة «آزوف» الأوكرانية المتطرّفة. وكان تورّط إسرائيل في دعم أوكرانيا طفا على السطح بعد موافقة وزير الدفاع، بيني غانتس، في 20 نيسان الماضي، على إرسال خوذات وسترات واقية من الرصاص إلى كييف لخدمات الإنقاذ والمنظّمات المدنية، بعدما كانت تل أبيب امتنعت سابقاً عن تزويد الأوكران بالأسلحة والمعدّات العسكرية، وهو ما فُسّر في موسكو على أنه رضوخ إسرائيلي للضغوط الأميركية والغربية. وإذا ما صدق ما نشره الإعلام العبري عن أن القادة السياسيين يناقشون ما يمكن تقديمه لكييف من أسلحة، فإن العلاقات بين موسكو وتل أبيب ستكون أمام تحدٍّ جديد، بخاصة في ظلّ تأكيد الأولى أنها ستستهدف أيّ قافلة محمّلة بالأسلحة تحطّ في أوكرانيا.
أمام كلّ هذه التحدّيات، يبرز السؤال عن مستقبل العلاقات، وعمّا إذا كانت ستتحوّل إلى وضع مشابه لذلك القائم بين روسيا و«الدول غير الصديقة» لها. وفي هذا السياق، يعتبر نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما، أندريه كراسوف، أن الأزمة الحالية لن تؤثّر في الصلات بين موسكو وتل أبيب، معتبراً أن وزارتَي الخارجية قادرتان على تحديد القضايا الإشكالية. ويضيف كراسوف، في تصريحات إلى صحيفة «إيزفيستا»، أن «التنسيق بشأن سوريا وإيران لن يتضرّر، لأنه يلبّي مصالح البلدين». لكن على رغم ما تَقدّم، يطالب كراسوف إسرائيل بإدانة «تنامي النازية الجديدة في أوروبا الشرقية»، وبموقف «أكثر صرامة». وعلى أيّ حال، يبدو لافتاً إجماع الخبراء الروس على أن رؤية موسكو وتل أبيب حيال الوضع في سوريا لن تتأثّر، وأن الطرفين قادران على تجاوز الخلافات الحالية، بناءً على التجارب السابقة بينهما. وفي انتظار جلاء الصورة، برز مساء أمس إعلان ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية أن بوتين قدّم اعتذاراً لبينيت على تصريحات لافروف في شأن هتلر، وهو ما عاد الكرملين ونفاه، معلِناً أن بوتين أبدى، خلال اتصاله ببينت، عن "الاهتمام بمواصلة تطوير العلاقات، والحفاظ على اتصالات مفيدة بين القيادتين".