طهران | بعد ثمانية أشهر من استحواذ حركة «طالبان» على السلطة في أفغانستان، بدأت العلاقات بين كابول وطهران تُسجّل توتّراً متصاعداً، على خلفية ملفّات متعدّدة، أبزرها تقاسم الحصص المائية بين البلدين، والمهاجرون، والحدود البرّية المشتركة التي تمتدّ على 921 كيلومتراً، حيث تحدّثت التقارير، خلال الأشهر الماضية، عن وقوع مناوشات عند حدود ولايتَي هرات ونيمروز الأفغانيّتَين، مع إيران. وفي أحدث تطوّر على هذا الصعيد، اشتبكت قوات الطرفين، في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، في منطقة دوغارون - إسلام قلعة الحدودية، ما أدّى إلى إغلاق هذا المنفذ الحدودي. وتختلف رواية الجانبَين لسبب اندلاع الاشتباكات؛ إذ نقلت وسائل إعلام إيرانية، بما فيها وكالة «فارس» شبه الرسمية، عن شهود عيان قولهم إن حرس حدود «طالبان» كانوا يعتزمون شقّ طريق في المنطقة الحدودية، الأمر الذي وُوجه باحتجاج من قِبَل حرس حدود الجمهورية الإسلامية. وجاء ذلك فيما أفادت وسائل إعلام أفغانية بأن سيارة عسكرية إيرانية تقلّ خمسة ركّاب كانت قد دخلت الأراضي الأفغانية.
أفادت تقارير بأنّ ثلاثة ممثّلين عن «طالبان» توجّهوا إلى سفارة أفغانستان في طهران

وفي أعقاب هذه التطوّرات، نُشرت صور عن انتشار دبابات «تي 72 - إس1» التابعة للواء 38 المدرّع (تربت جام) في سلاح البرّ في الجيش الإيراني، في المناطق الحدودية المجاوِرة لأفغانستان، في وقت سُجّل فيه تحليقٌ للطائرات العمودية التابعة للقوّة البرّية فوق تلك المناطق. كما نُشرت صور وأفلام تُظهر القوات الموفدة من سلاح البرّ التابع للحرس الثوري إلى هناك، والتي يبدو أنها جزء من «قوّة الرد السريع». أمّا على الجانب المقابل من الحدود، فقد أقدمت «طالبان» على زيادة عديد قوّاتها، ونشْر عشرات عربات الـ«هامفي» المدرّعة، وناقلات الجند المدرّعة «إم1117»، بالقرب من جمرك إسلام قلعة، وبجوار منفذها الحدودي. وإذ أعرب المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في إيجازه الصحافي الأسبوعي، عن أمله في «ألّا يؤدي ضبط النفس من قِبَل حرس الحدود الإيراني بين إيران وأفغانستان، إلى خلق سوء تقدير لدى الطرف الآخر»، فقد انطلقت تحرّكات دبلوماسية، بالتوازي مع تلك العسكرية، بهدف تدارك أيّ مواجهة بين الطرفين. وفي هذا الإطار، التقى مساعد السفارة الإيرانية في كابول، حسن مرتضوي، مع شبير أحمد، وهو أحد المسؤولين العسكريين في الحكومة الأفغانية. وبعد اللقاء، جرى فتح المنفذ الحدودي، لينحسر التوتّر إلى حين، بعدما ضاعف تكرّر المناوشات الحدودية القلق من تصاعد الاضطرابات.

أسباب التوتّر
تضمّ الحدود بين إيران وأفغانستان العديد من المعابر، التي تشكّل محدّداً رئيساً من محدّدات العلاقة بين البلدين. وتمثّل هذه المعابر منافذ لعبور المهاجرين والمخدّرات والمجموعات المسلّحة والمياه. كما أنّ نهرَي أفغانستان المهمّين (هيرمند وهريرود) يَعبران الحدود ليدخلا الأراضي الإيرانية. ولا تنتهي المشاكل عند هذا الحدّ، ذلك أن المسائل المتعلّقة بترسيم الحدود، والقضايا الناجمة عن الجفاف ونقص إمدادات المياه، تُعدّ من العوامل التي ساهمت في مفاقمة التوتّر في بعض المناطق الحدودية بين إيران وأفغانستان. كما يبدو أن أحد الأسباب الرئيسة لهذه النزاعات، مردّه إلى جهل حرس حدود «طالبان» بالقوانين الدولية، وأيضاً بالخطوط الحدودية القائمة بين البلدَين. وفي الوقت ذاته، يعتقد بعض منتقدي الحكومة الإيرانية بأن سياسة التعاون والتفاعُل مع حركة «طالبان»، في الأشهر الأخيرة، مهّدت الطريق أمام مثل هذه الأعمال الاستفزازية. وهو ما كتبت عنه صحيفة «ستاره صبح» الإصلاحية، معتبرةً أن «طالبان» تشكّل خطراً فعلياً على إيران. ورأت الصحيفة أن السياسة التي تعتمدها الجمهورية الإسلامية في معالجة الملفّ الأفغاني، هي «سياسة حائرة ومتردّدة».
على رغم كلّ ما تَقدّم، تتّسم العلاقات السياسية بين الطرفين بالثبات والاستقرار، وهو ما يجري التعويل عليه من أجل تلافي أيّ تصعيد في المستقبل. وفي تطوّر لافت على هذا الصعيد، أفادت تقارير بأن ثلاثة ممثّلين عن «طالبان» توجّهوا إلى سفارة أفغانستان في طهران، بعدما وافقت الحكومة الإيرانية على طلب استقبالهم. وأحد هؤلاء، هو سكرتير ثالث، والاثنان الآخران موظّفان عاديان. ويدير السفارةَ الأفغانية في طهران، أحد المبعوثين من الحكومة الأفغانية السابقة، والذي واصل عمله بعد سقوطها.