موسكو | دخلت المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا مرحلةَ جمود سببها تقديم الطرفَين المتحاورَيْن شروطاً متضاربة. فبالنسبة إلى موسكو، لم تتغيّر الشروط، حتّى أنه جرى التوافق على بعضها في جولات التفاوض السابقة، وتحديداً تلك التي أجريت في إسطنبول، نهاية الشهر الماضي. لكن الأزمة التي أثارتها صورٌ لضحايا مدنيين في مدينة بوتشا الأوكرانية، واتهامات كييف وحلفائها الغربيين، موسكو، بالتسبُّب بالمجزرة، عقّدت عمليّة التفاوض التي لم تَعُد تشكّل أولويّة قصوى بالنسبة إلى أوكرانيا، وهو ما أقرّ به وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، حين لفت إلى أن صور بوتشا أثّرت في الأجواء الإيجابية للمفاوضات. من جهته، قال الكرملين على لسان الناطق باسمه، ديمتري بيسكوف، إنه لا يوجد مفهوم واضح، حتى الآن، في شأن جولات المحادثات المباشرة بين موسكو وكييف. وأضاف الناطق أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يرفض لقاء نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من حيث المبدأ، لكنه اشترط، في المقابل، وثيقةً جاهزة لهذا الغرض. على الجهة الأوكرانية، وعلى رغم حديث زيلينسكي عن مواصلة المفاوضات، إلّا أنه أرفق موقفه بتشبّث نظامه حيال الدول الضامنة في أيّ اتفاق سيوقّعه مع روسيا. وأفاد عضو الوفد الأوكراني المفاوض، المستشار الرئاسي ميخائيلو بودولياك، بأن بلاده تريد أكبر عدد ممكن من الدول الضامنة، موضحاً، في الوقت ذاته، أن موسكو لا تريد زيادة عدد الدول الضامنة. وأمام استعصاء التوصُّل إلى حلول مرضية تُعيد موسكو وكييف إلى طاولة التفاوض، ينذر التصعيد العسكري الأوكراني داخل الأراضي الروسية بتصعيد ميداني كبير قادم، خصوصاً في العاصمة كييف. إذ اتّهم حاكم مقاطعة بريانسك، في جنوب روسيا، الجيش الأوكراني بقصف بلدة روسية تقع على بعد 10 كيلومترات عن الحدود المشتركة بين البلدين، ما أدّى إلى إصابة مدنيين بجروح. كذلك، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن أوكرانيا أطلقت النار على نقطة تفتيش حدودية، حيث كان أكثر من 30 لاجئاً أوكرانياً يعبرون إلى روسيا. وفي الإطار نفسه، أعلن حاكم محافظة بيلغورود تعرُّض قرية سبوداريوشينو للقصف من أوكرانيا من دون وقوع إصابات. وجاء التصعيد الأوكراني بعد ساعات من تحذير الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناتشينكوف، من أن الجيش الروسي «سينفّذ ضربات على مراكز قيادة، بما فيها مواقع في كييف، وهو أمر امتنع عن القيام به حتى الآن»، في حال استمرّ الجيش الأوكراني في استهداف الأراضي الروسية.
وتزامنت هذه التطورات، مع اقتراب القوات الروسية من حسْم المعركة في ماريوبول جنوب شرقي أوكرانيا، حيث سيطرت على كامل ميناء المدينة الواقعة على بحر آزوف، مع تضعضع القوات الأوكرانية واستسلام نحو 1350من جنودها. وتتركّز المعارك، حالياً، في منطقة آزوفستال الصناعية، حيث يتحصّن جنود مشاة البحرية. ووفقاً لمحلّلين عسكريين، فإن حسْم القوات الروسية المعركة في هذه المنطقة، يعني أنها سيطرت بالكامل على المدينة الساحلية. أما على جبهة الدونباس، فتواصل موسكو حَشْد قواتها تحضيراً لمعركة السيطرة الكاملة على الإقليم.
في غضون ذلك، برزت أزمة جديدة بين روسيا و«حلف شمال الأطلسي» من شأنها تعقيد الموقف بين الجانبين. فبعد تزايد الحديث عن انضمام السويد وفنلندا إلى «الناتو»، كشف الكرملين أن بوتين سيبحث مجموعة من التدابير لتعزيز أمن روسيا في ما لو انضمّ هذان البلدان بالفعل إلى الحلف. لكن الموقف الأوضح في هذا الشأن جاء على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، الذي هدّد بنشر أسلحة نووية في دول البلطيق إذا انضمّت السويد وفنلندا إلى «الناتو». وقال ميدفيديف: «لن تكون هناك منطقة بلطيق خالية من السلاح النووي إذا انضمّت السويد وفنلندا إلى الناتو»، مشيراً إلى أن بلاده «لم تتّخذ، حتى الآن، مثل هذه التدابير، ولا تنوي فعل ذلك حالياً. ولكن إذا أُجبرنا فالأمر سيختلف. لاحظوا، لسنا نحن من اقترح هذا الأمر».
أمر بوتين بضرورة توجيه إمدادات الطاقة الروسية من الغرب إلى الشرق


على صعيد آخر، حذّر الرئيس الروسي من تداعيات محاولات الغرب إبعاد روسيا عن سوق الطاقة العالمية، مشيراً إلى أن استبدال شركات الطاقة الروسية سيؤثّر سلباً في الاقتصاد العالمي. وشدّد بوتين، في اجتماع حكومي حول صناعة النفط والغاز، أمس، على أن أوروبا غير قادرة على الاستغناء عن الغاز الروسي في الوقت الراهن، موضحاً أنه «ببساطة، لا يوجد بديل معقول في أوروبا الآن». وأكد أن البحث عن بدائل سيكون مكلفاً، وأن إمدادات الوقود الأزرق من الولايات المتحدة إلى الدول الأوروبية ستكلّف أضعاف ما تكلّفه الإمدادات من روسيا، وهو ما سيلقي بظلاله على مستوى معيشة الأوروبيين والقدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي. وأمر بوتين الحكومة الروسية بالعمل على إعادة توجيه صادرات موارد الطاقة المحلية من الغرب إلى أسواق الجنوب والشرق وإعداد البنية التحتية المناسبة لتنفيذ ذلك، مشدّداً على أهمية الخطوة لجهة «أن الأسواق في الشرق والجنوب تشهد نموّاً».