موسكو | مع إتمام العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا شهرها الأوّل، تتّجه الأنظار إلى قُرْب إعلان موسكو سيطرتها الكاملة على الدونباس. ووضعت وزارة الدفاع الروسية «تحرير الدونباس» هدفاً أوّل، كونها تحتلّ، بموجب الخطة العسكرية الموضوعة، الأولوية الزمنية والمعنوية والاستراتيجية. وسيعقب إطباق السيطرة على المنطقة الشرقية، تَوفُّر تشكيلات كبيرة من القوات الروسية وقوات دونيتسك ولوغانسك، التي سيتاح لها تعزيز التقدُّم على كافة الاتجاهات في الشمال والوسط والجنوب.ورُصدت، خلال اليومين الماضيين، مجموعات مؤلّلة من القوات الروسية تتقدَّم في اتجاه مدينة سومي، شمال غربي خاركيف وأقصى شرق كييف. إلّا أنها لم تقدِم على اقتحام المدينة، بل عبرت الحدود الروسية عند كراسنابولي، وعادت لتعبُر الحدود الأوكرانية متجهةً جنوباً إلى ضواحي خاركيف، وإلى ما بعد خاركيف، وصولاً إلى مدينة إيزيوم التي سيطرت عليها القوات الروسية خلال الأيام القليلة الماضية. ويرى خبراء عسكريون أن هذه التطورات بعملية التفاف حول مدينة خاركيف من جنوب شرقها، تحضيراً لتشديد الحصار عليها، وربّما اتخاذ القيادة العسكرية الروسية قراراً استراتيجياً باقتحامها في وقت قريب. وفي انتظار جلاء الصورة، قرّرت القوات الروسية استكمال معركة السيطرة على الدونباس و»جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك»، حيث وصلت أفواج مدرّعة وتجهيزات ضخمة من كافة الاتجاهات إلى محيط مدينة إيزيوم. ومع قرب إطباق السيطرة على هذه المنطقة، اضطرّت القوات الأوكرانية للتراجع من محاور بيتروفسكويه، فيليكايا كاميشيفاخا، فيرنابوليه، دولغينكويه، سفياتاغورسك، وليمان، أي من كامل خطّ جنوب غربي إيزيوم إلى جنوب شرقها، وتجمّعت حول منطقة بارفينكوفا، والحدود الفاصلة بين ضواحي خاركيف وضواحي دونيتسك.
ويبدو الوضع مشابهاً في الجنوب، حيث استُقدمت قوات روسية إضافية عبر مرفأ بريديانسكن، فيما تمّ حشْد قسم كبير من القوات التي شاركت في معارك كريفوي روغ وضواحي نيكولايف في جنوب زباروجيا. ويتّضح أن التقدُّم في اتجاه مدينة أودريسا أُلغيَ حالياً، حتى أن القوات الروسية رفعت طوق الحصار عن شمال نيكولايف التي يستمرّ حصارها من الجنوب والشرق، فيما تتواصل عملية القصف المدفعي والجوي لهذه المدينة. ولا يُتوقَّع حصول تقدُّم روسي على محاور نيكولايف، أو في اتجاه أوديسا، إذ جرى نقل القوّة الروسية الضاربة الأساسية شرقاً إلى الدونباس، حيث تواصل قوات «الشعبية» استهداف خطوط دفاع القوات الأوكرانية في محاور غورلوفكا، والتقدُّم يومياً لبضعة كيلومترات.
لا يُتوقَّع حصول تقدُّم روسي على محاور نيكولايف، أو في اتجاه أوديسا


وفي ماريوبول، وردت معلومات تفيد بانهيار دفاعات القوات المسلحة الأوكرانية. ومن شأن السيطرة على هذه المدينة، أن يُحرِّر تشكيلات القوات الروسية و»الشعبية»، والتي يُقدَّر عديدها بـ20 ألف مقاتل، وسيتم توجيهها من ماريوبول نحو الشمال والضفة الشرقية لحوض نهر الدنيبر، حيث ستشارك في «معركة تحرير الدونباس الكبرى». وفي محاور الشمال الأوكراني، يجري العمل للسيطرة على ضواحي تشيرنيغوف، والقسم الشمالي من ضواحي سومي، أي المنطقة الواقعة ما بين خاركيف وكييف. ويُعدّ هذا المحور استراتيجياً بالنسبة إلى القوات الروسية، خصوصاً لجهة الاستمرار في تطويق العاصمة من ناحية الشرق والشمال الشرقي، من اتجاهَي برافاروف وبوريسبول.
وتمكّنت القوات الروسية، بعد 30 يوماً على بدء الحرب، من التوغُل في العمق الأوكراني إلى حدٍّ كبير؛ فالعاصمة كييف والمدينة الثانية خاركيف باتتا تحت الحصار، والأمر نفسه ينطبق على مدينة نيكولايف وضواحي خيرسون، فيما بات الجيش الروسي عند تخوم زاباروجيا، وماريوبول في معركة تكاد تكون محسومة. وباتت مجموعة القوات المسلحة الأوكرانية في الدونباس أمام خطر التصفية الكاملة، على رغم أنه يُسجَّل لكييف صمود هذه المجموعة خلال الأسابيع الماضية، حيث زجّت القوات الأوكرانية بكل ما لديها من ألوية مدرّعة وميكانيكية وقوات خاصّة من الغرب لدعم محاور ضواحي خاركيف، ولكن من دون جدوى. وتفيد المعلومات الاستخبارية من داخل المدن الأوكرانية، بنقص حادّ في التجهيزات القتالية وحتى الشخصية لهذه القوات. ففي مدينة أوديسا، يجري تزويد أفراد عديد الفوج المستحدث ببنادق آلية كلاشنيكوف صنعت في عام 1960، فيما يفتقرون للرشاشات والأسلحة المتوسطة. يؤشر ما سبق، إلى أنه تم تدمير الهيكلية العسكرية الأساسية للقوات المسلحة الأوكرانية، ولم تعد قادرة على تحقيق اختراق نوعي في مسار العمليات العسكرية.