فيما تواصل القوات الروسية تقدُّمها جنوباً، وسط إشارات إلى احتمال توجّهها إلى أوديسا، يتقدَّم حلفاؤها في القوات «الشعبية» على الحدود الجنوبية الغربية للدونباس، في مسعى إلى وصل هذه المنطقة بشبه جزيرة القرم. وتوازياً، يستمرّ الهجوم المركَّز على مدينة ماريوبول، كما ضواحي العاصمة كييف، حيث تتقدَّم القوات الروسية «ببطء، ولكن بثبات»، وفق ما يفيد به خبراء عسكريون. يجري كل هذا على وقْع مفاوضات، وإن كانت موسكو لا تزال تراهن عليها، تسير أبطأ من المؤمّل، على رغم تسليم روسيا، أوكرانيا، مسودة وثائق - لم تكشف عن فحواها - ردّت الأخيرة على بعضها
وجّهت القوات الروسية ضربة جديدة لحامية مدينة نيكولايف، المكوّنة من تشكيلات مختلفة تابعة للقوات الأوكرانية. ولليوم الرابع على التوالي، تستهدف القوات الروسية تموضع القوات الأوكرانية، من ثكنات، ومقرّات، ومخازن سلاح، ودفاعات في تلك المدينة ومحيطها، إذ يبدو التركيز جليّاً عليها، بهدف تكبيد التشكيلات المتمركزة فيها أكبر قدْرٍ من الخسائر العسكرية. ويرى خبراء عسكريون أن التكتيك المعتمَد مرتبط إمّا بالتحضير لاقتحام المدينة، أو أن له صلة بخطّة التقدُّم على محاور جبهات أوديسا في اتجاه الجنوب الغربي، وهو ما يقتضي تعطيل قدرة حامية نيكولايف على الحركة أو التدخُّل، في حال قرار التقدُّم في اتجاه أوديسا. وبحسب المعلومات، رُصد تحرُّك مكثّف للاستخبارات العسكرية الروسية، و»الشعبية»، في ضواحي مدينتَي كيروفوغراد ودنيبروبيتروفسك، على الحدود الجنوبية الغربية للدونباس، والتي تشكِّل صلة وصل جغرافية طبيعية مع شبه جزيرة القرم.
وانتقالاً إلى مدينة ماريوبول، أفادت المعلومات بدخول القوات الروسية و»الشعبية» إلى مجمع «آزوف ستال» (مجمع تصنيع وتعدين)، فيما تَركّز الهجوم الثاني من ناحية ليفوبيريجني رايون (منطقة الشاطئ الأيسر) للمدينة. وفي كوراخوفا، حيث تواصل القوات الروسية الضغط على مواقع تمركز خصومها، فقد أحكمت هذه القوات السيطرة على عدد من النقاط والتجمّعات السكنية من القرى والبلدات المحيطة. وبدا لافتاً، في الخريطة التي ظهرت، أخيراً، خلف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، ظهور مدينة أوغليدار من بين المناطق التي تمّت السيطرة عليها. وأُفيد أيضاً عن سيطرة القوات الروسية على مدينة مارينكا الواقعة في ضواحي غرب «جمهورية دونيتسك»، ما يعني أن القوات الأوكرانية المتمركزة جنوب مدينة كوراخوفا، باتت في وضع صعب. وفي حال واصل الروس تقدُّمهم، تصبح قوات «جمهورية دونيتسك» في مواقع النسق الخلفي للقوات الأوكرانية على هذا المحور. ويبدو أن القوات الأوكرانية التي تحصّنت على ضفاف نهر سوخايا يالا، ستضطرّ لترك مواقعها والانسحاب شمالاً، إذ تتقدَّم قوات «الشعبية» من شرق أفدييفكا في اتجاه الشمال الغربي، حيث يدور القتال على ضفتَي نهر كامينكي. ويتوقّع خبراء، نتيجة هذا التقدُّم، عزل أفدييفكا من اتجاه الشمال، فيما تشير شدّة المعارك إلى أن القوات المسلحة الأوكرانية تلقّت أوامر بعدم التراجع والصمود على ذلك المحور المفصليّ. أمّا في اتجاه محاور منطقة باباسني، فقد تمّت السيطرة على بعض القرى والبلدات، ولا توجد، في محور سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك، مواجهات مباشرة تُذكر.
حذّرت موسكو من أن تصرفات الإدارة الأميركية قد تؤدّي إلى قطع العلاقات بين البلدين


وفي ضواحي العاصمة كييف، بدا لافتاً إعلان عمدة مدينة بوريسبول (جنوب شرقي كييف)، حيث يقع مطار بوريسبول، إخلاء المدينة، بحجّة تقدُّم القوات الروسية من حدود المدينة. وأفادت معلومات المراقبين العسكريين بأن القوات الروسية ستحكم، خلال الأيام القليلة المقبلة، سيطرتها على حدود المدينة المحورية في خطّة التقدُّم وإحكام الطوق حول العاصمة. وبحسب مصدر عسكري: «تتقدَّم القوات الروسية ببطء ولكن بثبات، لإحكام الطوق حول كييف من الاتجاه الشرقي». كذلك، تجدّدت المواجهات العنيفة في منطقة بيشوفا جنوب غربي العاصمة، حيث رُصد تراشق مدفعي كثيف بين القوات الروسية والأوكرانية. وبعد تدمير مخازن الذخائر الصاروخية والمدفعية في شمال كييف، بواسطة الصواريخ الجوالة المجنّحة الروسية، أشارت مصادر القوات المسلحة الأوكرانية إلى انعدام القدرة والقوّة النارية لديها، ما يمنعها من القيام بأيّ مناورة أو التقدّم من هذا الاتجاه. وعليه، لن يكون في مقدورها إعاقة تقدُّم نظيرتها الروسية من اتجاه شمال العاصمة. وفي تعليقه على تصريحات مدير مكتب الرئيس الأوكراني الذي ناشد قواته المسلحة الصمود لأسبوعين فقط منذ بدء العملية العسكرية الروسية، أشار الخبير العسكري، يوري بودالياكا، إلى أن تصريحات القيادة الأوكرانية باتت تدعو الأوكرانيين إلى الصمود من ثلاثة إلى خمسة أشهر، لتتمكّن من استعادة زمام المبادرة والقيام بهجوم مضاد على كافة الجبهات.
وفيما تواصل روسيا الرهان على خيار الديبلوماسية لإنهاء الأزمة مع أوكرانيا، على الرغم من البطء في المفاوضات، ترى أن الضغوط الممارَسة من قِبَل واشنطن هي التي تمنع كييف من الموافقة على المطالب الروسية. ويدور الحديث عن أن الإدارة الأميركية لا تريد أن يتوصّل الطرفان الروسي والأوكراني إلى نتائج حاسمة قبل وصول الرئيس جو بايدن إلى أوروبا يوم غدٍ الخميس. وعبّر الكرملين عن عدم رضاه على سير عملية التفاوض التي وصفها بأنها «أبطأ ممّا يجب، وأقلّ نتيجة مما نودّ». وكشف الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن موسكو سلّمت كييف مسودة الوثائق في إطار عملية التفاوض وجرت صياغتها خطّياً، فيما أجابت كييف على بعضها، لكن «الكرملين لم يكشف عن تفاصيل المفاوضات بين وفدَي روسيا وأوكرانيا حتى لا يضرّ بعملية التفاوض».
في غضون ذلك، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن الغرب لن يتمكّن من جعل روسيا تجثو على ركبتيها، محذّراً دوله من أن أوهامهم ستنتهي بشكل مؤسف. وقال إن روسيا تطالب الولايات المتحدة بالكفّ عن شيطنة موسكو، محملاً واشنطن المسؤولية عن عواقب ما يحدث في العالم، ومحذّراً من أن تصرفات الإدارة الأميركية قد تؤدّي إلى قطع العلاقات مع روسيا.