فتحت موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مشاركة 16 ألف متطوّع من الشرق الأوسط أُعلن عن قيامهم بتسجيل أسمائهم للمشاركة في الحرب الأوكرانية إلى جانب القوات الروسية، الباب أمام معارك إعلامية لا تفتأ تتواصل. معارك تخلّلتها اتهامات متبادلة بين أطراف الحرب السورية، ولا سيما أن فصائل معارِضة و «جهاديين» أعلنوا وقوفهم إلى جانب أوكرانيا و»حلف شمال الأطلسي».وسارعت جماعات ضغط، من بينها منظّمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة»، المموَّلة أميركياً، ووسائل إعلام معارِضة، إلى نشر تقارير تتحدَّث عن تسجيل قوائم وصل عدد الأسماء فيها إلى نحو 40 ألف مقاتل، وفق أرقام «المرصد السوري» المعارض، فيما تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أرقام هواتف لتسجيل المتطوّعين أسماءهم، مرفَقة برواتب يصل بعضها إلى 1500 دولار في الشهر. على هذه الخلفية، سعت «الأخبار» إلى تقصّي حقيقة هذه المعلومات، بداية عن طريق التواصل على الأرقام المتداولة، والتي تبيّن أنها خارج الخدمة، فيما ظهر أن الحسابات التي تتداول الأرقام المذكورة هي حسابات وهمية. كذلك، حاولت «الأخبار»، عن طريق التواصل مع عدد من المقاتلين في بعض المجموعات المنتشرة في الجنوب السوري وفي المنطقة الوسطى (حمص وحماة)، بعدما تداولت وسائل إعلام معارِضة أسماءها بصفتها فتحت الباب أمام إرسال مقاتلين من الجنوب، ولكن استفساراتنا قوبلت، حتى الآن، بالنفي. وذكر أحد المصادر أن الأمر، إن تمّ، فلن يكون بالشكل الذي تتحدّث عنه وسائل الإعلام، شارحاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن روسيا تتمتّع بعلاقات طيبة مع مجموعات محلّية عديدة قاتلت في أوقات سابقة إلى جانب الجيش السوري، ولم تنخرط بشكل نظامي في صفوفه، سواء نتيجة تقديم الدعم لتلك المجموعات في فترات سابقة خلال المعارك ضدّ الجماعات المتطرّفة، أو بسبب انخراط البعض في أعمال اقتصادية تتعلّق بحماية وتأمين بعض المصالح الروسية، بموجب عقود شراكة واستثمار وقّعتها مع الحكومة السورية.
وعن حقيقة بعض التسجيلات المصوّرة التي أظهرت مقاتلين سوريين من مجموعات رديفة للجيش، تحمل العلم الروسي وتهتف لروسيا في حربها ضدّ أوكرانيا، ذكر المصدر أن المقاتلين، على جميع المستويات، يظهرون دعمهم لموسكو، ولكن ذلك لا يعني انخراطهم المباشر في الحرب، ولا يعني أن السوريين سيتركون الساحة المحلية، لينتقلوا إلى أوكرانيا، كما تصوِّر بعض وسائل الإعلام.
وفي ظل هذه العلاقات المتشابكة، جاء إعلان دمشق تأييدها لروسيا منذ اللحظة الأولى للحرب، وترحيبها باعتراف موسكو بجمهوريّتَي دونيتسك ولوغانسك، ليزيل الشكوك في شأن إمكانية انخراط متطوّعين سوريين في تلك الحرب، خصوصاً أن فصائل معارِضة و»جهاديين» أعلنوا رغبتهم في القتال إلى جانب أوكرانيا، التي قدَّمت تسهيلات عديدة لجذب المزيد من المقاتلين.
لا تزال عمليات تسجيل أسماء «الجهاديين» في إدلب للانتقال إلى أوكرانيا مستمرّة


وعن آلية تسجيل المقاتلين، ذكر المصدر أن الأمر معقّد، إذ تختلف الجهات الروسية التي تتواصل مع بعض المجموعات المنتشرة في مناطق ريفية خارج المدن، كما تعتبر العلاقة، في كثير من الأحيان، «شخصية»، حيث يحظى بعض قادة المجموعات بثقة الجانب الروسي، بعدما أثبت جدارته في المعركة، خصوصاً أن بعض هذه المجموعات، مثل «صائدو داعش»، شارك فيها مقاتلون سوريون وروس جنباً إلى جنب في المنطقة الوسطى من سوريا، وهو ما حوّل إمكانية ذهاب سوريين إلى أوكرانيا أشبه بقتال إلى جانب «رفاق سلاح»، بحسب وصْف المصدر. وأضاف أن الأمر «لا يتمّ بشكل مباشر من جانب ضباط روس، وإنّما نتيجة هذه العلاقات المتشابكة، وهو ما يجعل التأكد من حقيقة وجود قوائم غاية في الصعوبة».
كذلك، جرى تداول أنباء غير موثّقة حول تسجيل أسماء مقاتلين منضوين في «فصائل المصالحات» (جماعات كانت معارِضة، ولكنّ مقاتليها انخرطوا في صفوف الجماعات المدعومة روسياً في الحرب ضدّ الفصائل «الجهادية»). وحاولت «الأخبار» تقصّي هذه المعلومات أيضاً، لكن أيّ معلومات دقيقة لم ترشح عن وجود قوائم، إذ ذكر مصدر ميداني أن أمراً كهذا، وإن تمّ، فسيكون محدوداً للغاية، مضيفاً أن البعض يتداول أرقاماً غير صحيحة حول الرواتب التي تُقدَّم للمقاتلين، في مقابل انضمامهم إلى القتال في أوكرانيا. وتابع قائلاً، إن «الأوضاع الاقتصادية في سوريا صعبة جداً، ولكن ذلك لا يعني أن الباب مفتوح أمام جميع المقاتلين للحصول على آلاف الدولارات مقابل انتقالهم إلى أوكرانيا».
في السياق ذاته، أكدت مصادر سورية متقاطعة أن عمليات تطوّع سوريين للقتال في أوكرانيا، في حال حصولها، فلن تنخرط فيها قوات سورية رسمية لاعتبارات عديدة، من بينها عدم انخراط سوريا بشكل مباشر في تلك الحرب، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلّق بميادين الصراع السورية. ورأت المصادر أن إعلان موسكو الصريح قبول متطوّعين، جاء رداً على إعلان أوكرانيا المباشرة في استقبال مقاتلين من أوروبا وجماعات «جهادية» من سوريا.
على الجانب الآخر، علمت «الأخبار» أن القوات التركية بدأت عملية إعادة هيكلة لقواتها في مناطق انتشارها، في وقت أجرت فيه جماعات مسلّحة تنشط في ريف حلب وتطلق على نفسها اسم «هيئة ثائرون» وتضمّ سبعة فصائل من بينها فصيل «سليمان شاه» الذي أثيرت حول قائده «أبو عمشة» ضجّة واسعة خلال الفترة الماضية، عقدت اتفاقاً مع «هيئة تحرير الشام» التي يقودها أبو محمد الجولاني، يسمح بانتشار مسلّحي الجولاني في ريف حلب. ونشر الحساب «الجهادي» المعروف على موقع «تويتر» باسم «أس الصراع في الشام» (صالح الحموي)، تفاصيل الاتفاق المؤلّف من سبعة بنود، الذي يقضي بتوغّل مقاتلي «تحرير الشام» في ريف حلب تحت مسمّى «قوات حماية القواعد التركية»، وهو ما جاء بعد عمليات طويلة بدأتها أنقرة في إعادة هيكلة قوات الجولاني التي ضيّقت الخناق على ما تبقّى من جماعات «جهادية» في إدلب، في وقت فتحت فيه أنقرة الباب أمام تلك الفصائل «الجهادية» للانتقال والقتال في الساحة الأوكرانية.
وذكرت مصادر معارضة أن عمليات تسجيل أسماء «الجهاديين» في إدلب للانتقال إلى أوكرانيا لا تزال مستمرّة، إذ تتابع مكاتب عدة عمليات تسجيل أسماء مقاتلين في ريف حلب الشمالي للانتقال إلى الساحة الأوكرانية، عبر تسهيلات تركية غير مسبوقة. ويبدو أن أنقرة تهدف، بالإضافة إلى مؤازرة حليفتها في «الناتو»، أوكرانيا، إلى تنظيف الشمال السوري القريب من حدودها، وضبطه، وتوحيد الفصائل التي تقاتل فيه تحت كنف تجمّع جديد سيتصدّره الجولاني. ويعني ما سبق أن آلاف «الجهاديين»، بينهم شيشانيون وتركستان وسوريون، باتوا جاهزين للانتقال إلى أوكرانيا، إن لم ينتقل جزء منهم بالفعل، وفق المصادر.