موسكو | بدا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حازماً في إشارته إلى أن بلاده «لن ترضخ ولن تركع ولن تعيش برأس مطأطأة» أمام الضغوط الغربية «الشائنة» التي تُمارَس عليها. وخلال اجتماع حكومي، عقد يوم أمس، حول تدابير الدعم الاجتماعي والاقتصادي للأقاليم الروسية، وجّه بوتين رسائل إلى الداخل كما الخارج، أوضح فيها أن روسيا استعدّت جيّداً للوضع الحالي. وفيما طمأن الداخل إلى أن العقوبات الغربية لن تُلحق الضرر بمعاش المواطنين، معلناً عن اتخاذ إجراءات في هذا الصدد، من بينها زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين والأُسَر، قال إن روسيا اضطرّت لمباشرة العملية العسكرية في الدونباس «ليس لاحتلالها، وإنّما لمساعدة سكانها». وفنّد الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ خطوة بهذا الحجم، موضحاً أن «حلف الناتو تقدَّم إلى حدودنا، ولم يكن أمامنا أيّ خيار سوى العملية العسكرية»، فضلاً عن أن رغبة السلطات الأوكرانية في الحصول على السلاح النووي مثّلت «تحدّياً خطيراً»، مبيّناً أنه «جرى تصنيع مواد أولية للأسلحة البيولوجية قرب حدودنا، وهم يحاولون إزالة كل آثار البرامج البيولوجية». وجدّد الرئيس الروسي الحديث عن أن بلاده ستعمل على «نزع سلاح أوكرانيا، واجتثاث النازية المتغلغلة فيها». وفي تعليقه على حِزَم العقوبات المفروضة على روسيا، والتي «وجّهت ضربةً للاقتصاد العالمي برمّته»، اعتبر بوتين أن الغرب يهدف إلى ضرب الاقتصاد الوطني، لافتاً، في هذا الجانب، إلى أن موسكو ستردّ بالتأكيد على الإجراءات المتّخذة في حقّها، على رغم أن «العقوبات الاقتصادية يشوبها قصر النظر». كذلك، قال إن الغرب لن ينجح في ما وصفه «بمحاولته للهيمنة على العالم وتقطيع أوصال روسيا»، مضيفاً أنه «إذا كان الغرب يعتقد بأن روسيا ستتراجع، فإنه لا يفهم روسيا جيداً».وفيما أشار إلى أن العملية العسكرية تمضي بنجاح ووفق ما هو مخطَّط لها، أكد بوتين استعداد روسيا للمضيّ قُدُماً في المحادثات مع أوكرانيا. وفي هذا السياق، تتكشَّف تباعاً مضامين المفاوضات الجارية بين البلدين، إذ كشف الكرملين أن فكرة أن تكون أوكرانيا دولة محايدة ولها جيشها الخاص، مثل النمسا أو السويد، وهو ما يجري بحثه حالياً، يمكن أن تكون حلّاً وسطاً محتملاً. تصريحٌ سبقه آخر لرئيس الوفد التفاوضي الروسي، فلاديمير ميدينسكي، أكد فيه أن «أوكرانيا تعرض نموذجاً نمسوياً أو سويدياً: دولة محايدة منزوعة السلاح؛ ولكن، في الوقت ذاته، لها جيشها وأسطولها البحري الخاصَّين بها». ولفت ميدينسكي إلى أن «عدد أفراد الجيش الأوكراني من بين القضايا التي نبحثها خلال المفاوضات»، مضيفاً أنها قضايا تجري مناقشتها من جانب وزارتَي الدفاع الروسية والأوكرانية. وجدّد التأكيد على أن هدف موسكو من المفاوضات مع كييف لم يتغيّر: «أوكرانيا سلمية ومحايدة ومستقلّة»، موضحاً أن شرط أن تكون أوكرانيا بلداً محايداً، «هو في الأساس التزام مضمون في دستورها». وإذ بيّن أن «اجتثاث النازية بند مهمّ على طاولة المفاوضات مع أوكرانيا»، أشار إلى أن عملية التفاوض حقَّقت تقدُّماً على أكثر من مستوى، على رغم أنها تمضي بصعوبة وبطء. وتتمثّل المعضلة الرئيسة، بحسب ميدينسكي، في الوضع المستقبلي لشبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014، ومنطقة الدونباس التي يسيطر عليها انفصاليون مدعومون من موسكو.
أعلن لافروف أن صياغة الاتفاقات مع أوكرانيا في شأن الضمانات الأمنية وصلت إلى مرحلة متقدّمة


في هذا الوقت، أعلنت الرئاسة الأوكرانية أنها ترفض فكرة أن تكون كييف محايدة على غرار السويد أو النمسا. وقال مستشار الرئيس، عضو الوفد المفاوض ميخائيلو بودولياك، في تعليقات نشرتها الرئاسة، إن «أوكرانيا في حالة حرب مباشرة مع روسيا الآن. والنسق لا يمكن أن يكون إلّا أوكرانيا›»، موضحاً أنه يريد «ضمانات أمنية مطلقة» يتعهّد الموقّعون عليها بالتدخل إلى جانب أوكرانيا، في حال حصول عدوان.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن صياغة الاتفاقات مع أوكرانيا في شأن الضمانات الأمنية، وصلت إلى مرحلة متقدِّمة. وأوضح، في مقابلة مع قناة «آر بي كيه تي في» الروسية، أنه «تجرى مناقشة الوضع المحايد بجدّية في ما يتعلّق بالضمانات الأمنية. هناك صيغ محدَّدة في رأيي على وشك الاتفاق عليها». وفيما أقرّ لافروف بأن المحادثات ليست سهلة وتمضي ببطء، قال إن هناك أملاً في إيجاد حل وسط، معرباً عن استعداد موسكو للبحث عن أيّ حلول في محادثاتها مع كييف لضمان أمن روسيا وأوكرانيا وأوروبا عموماً، ما خلا تمدُّد حلف «الناتو». وحول أهمية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا على الساحة العالمية، لفت لافروف إلى أن تطورات الأحداث الأخيرة حول أوكرانيا تحظى بأهمية قصوى بالنسبة إلى العالم برمته، واصفاً إيّاها بأنها «معركة من أجل مستقبل النظام العالمي». موقف لافروف هذا تقاطع مع تصريح لمدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكين، أكد فيه أن موسكو تمرّ بلحظة تاريخية حقيقة، وأن مصيرها يجري تحديده حالياً، مشدّداً على أن بلاده «لن تتراجع أبداً إزاء الأمور المتعلّقة بضمان سيادتها».