موسكو | تُكمل العملية العسكرية الروسية، اليوم، أسبوعها الثاني، وسط حركة قضم بطيئة وثابتة تنتهجها القوات الروسية، تستهدف التضييق على القوات الأوكرانية والمجموعات النازية الموالية لها، وقطع خطوط إمدادها، ومحاصرة المدن الكبرى قبل الانقضاض عليها. وعلى رغم ما أوحت به هذه الحركة، ابتداءً، من خطأ روسي في الحسابات، إلّا أنها لا تفتأ تُظهر نجاعتها، وخصوصاً في ظلّ ما يبدو أنه إصرار لدى موسكو على تجنّب إيقاع الخسائر البشرية والمادية "غير الضرورية. في هذا الوقت، تتواصل المفاوضات بين كلّ من موسكو وكييف، في ظلّ إشارات لافتة من قِبَل الأخيرة إلى إمكانية التحاور مع الأولى حول كيفية إدارة مناطق لوغانسك ودونيتسك والقرم. ومهما يكن ما ستؤول إليه هذه المفاوضات، والتي لا تبدي روسيا تفاؤلاً كبيراً بمسارها، إلّا أن موسكو تَظهر مصرّة على إكمال الطريق حتى الوصول إلى أهدافها، سلماً أو حرباً، وذلك على رغم تصاعد الضغوط الغربية عليها، وآخر وجوهها إعلان الولايات المتحدة حظر استيراد النفط الروسي، في ما ستكون له تبعات بالغة السلبية على الاقتصاد العالمي
أنقر على الصورة لتكبيرها

ساهم التقدُّم الميداني للجيش الروسي في دفع جهود الوساطة الدولية لجهة تفعيل الممرّات الإنسانية، إذ أعلنت وزارة الدفاع الروسية فتحَ ممرّات في العاصمة كييف، ومدن: تشيرنيغوف، سومي، خاركيف، ماريوبول وفولنوفاخا، اعتباراً من مساء أمس. وعلى رغم قيام القوات الخاصة الروسية بفتح ثُغَر في أحياء المدن المذكورة لتسهيل خروج المدنيين، إلّا أن القوميين الأوكرانيين لا يزالون يمارسون أعمال القمع للحؤول دون مغادرة هؤلاء، وفق ما يؤكد مصدر مسؤول في قوات دونيتسك الشعبية.
ميدانياً، تمكَّنت القوات الروسية وقوات دونيتسك ولوغانسك من السيطرة على مدينة زومي جنوب شرق خاركيف، وهو ما أتاح لها قطْع خطوط الإمداد من هذه المدينة إلى مجموعات لا تزال تقاتل في الدونباس. وبذلك، جرى عزل القوات الأوكرانية في محيط خاركيف وفصلها إلى قسمَيْن. ومع السيطرة التامّة على مدينة ماريوبول، سيتفرّغ قسم كبير من القوات الروسية والشعبية المشتركة للانطلاق نحو مثلّث دنيبرو ــــ تشيركاسي ــــ كيروفوغراد، بعد عبورها نهر الدنيبر من عدّة اتجاهات. ويُتوقَّع أن تكون معركة هذا المثلّث حاسمة لجهة تحديد المنتصر في الحرب، ولا سيما أنها ستفتح الطريق للتوجُّه جنوباً نحو محيط مصبّ نهر الدنيبر بين خيرسون وأوديسا، وهي منطقة الصناعات العسكرية الأوكرانية.
وتوزَّع الهجوم على مدينة ميكولايف على محورَين: الأوّل اتّجه نحو استكمال حصار مدينة أوديسا من الشمال وفصلها عن البحر الأسود، فيما اتّجه الثاني شمالاً نحو غرب المنطقة المتوسّطة لنهر الدنيبر. ويجري الهجوم على نقطة توسُّط النهر، الواقعة عند مثلث دنيبرو ــــ تشيركاسي ــــ كيروفوغراد من اتّجاهين: شرقاً من دونيتسك إلى دنيبرو؛ وجنوباً من ميكولايف عبر تشيركاسي. وبذلك، ستتمّ السيطرة على طرق رئيسية تمتدَّ على أكثر من 400 كيلومتر، وصولاً إلى بيلاروس، وتمرّ بضواحي كييف الغربية والشمالية، فضلاً عن تحرير طريقَين آخرَين أحدهما يصل غرباً إلى لفيف والحدود البولندية، ويصل الآخر إلى مولدوفا جنوب غرب أوكرانيا بالقرب من الحدود مع هنغاريا ورومانيا. وبحسب مصادر عسكرية مطلعة، فإن "القوات الروسية ستصل إلى ترانسنيستريا، على رغم تدمير الأوكرانيين للجسور لمنعها من عبور الحدود والأنهار"، على اعتبار أن تلك القوات تستخدم جسوراً عائمة.
يُتوقَّع أن تكون معركة مثلّث دنيبرو ــ تشيركاسي ــ كيروفوغراد حاسمة لجهة تحديد المنتصر في هذه الحرب


كذلك، ثمّة اتّجاهان آخران تندفع فيهما القوات الروسية إلى غرب وجنوب غرب العاصمة الأوكرانية، ليصبح عدد نقاط التماس مع القوات الأوكرانية تسعة محاور من الشمال والغرب والجنوب الغربي. كما تندفع فرقة دبابات "تي-90" و"فرقة المشاة الميكانيكية 47" من الشرق لتعزيز نقاط تماس جبهة شرق كييف، لتصبح على خمسة محاور في الوقت نفسه، وسط التقدُّم في اتجاه ضاحية بوفاري الصناعية. في هذا الوقت، تواصل قوات جمهوريتَي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتَيْن تقدُّمها في مناطق بورسونينو وكريمينيا، وبيشانوي وفارفاروفكا وبشبشنو، وإيفانوفكا، ونوفودروزيسك، وبيلوغوروفا.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن قاذفات ومقاتلات سلاح الجو الروسي دمَّرت 158 منشأة عسكرية خلال اليوم الماضي، فيما بلغ العدد التراكمي لأهداف البنية التحتية العسكرية الأوكرانية 2482 هدفاً منذ بداية العملية العسكرية، من بينها 87 موقعَ قيادة وسيطرة ومركز اتصالات، و124 منظومة دفاع جوي، و79 محطة رادار، فيما بلغ عدد الدبابات والمدرعات والعربات المصفحة الأوكرانية المدمَّرة 866، إلى جانب 91 منظومة إطلاق صاروخية متعدّدة، و317 مدفع ميدان وهاون، و634 آلية عسكرية رباعية الدفع، و81 مسيَّرة. ودمَّرت القوات الجوية الروسية، خلال اليومين الماضيين، 158 منشأة عسكرية في أوكرانيا، وأسقطت طائرتَين، الأولى من طراز "سوخوي-27" في الجو، والثانية من طراز "ميغ-29"، وعطَّلت نظامَي دفاع جوي صاروخيَّيْن من طراز "إس-300" وثلاثة أنظمة ذاتية الدفع "بوك إم-1" وأربعة مواقع قيادة دفاع جوي ومحطّتَي رادار، وتمكّنت من تعطيل قاعدة أوزيرنوي الجوية الأوكرانية في مقاطعة جيتومير بعد استهدافها بأسلحة عالية الدقة.
في غضون ذلك، قامت روسيا بإجلاء 5334 شخصاً من مناطق مختلفة في أوكرانيا، بالإضافة إلى جمهوريتَي لوغانسك ودونيتسك، ليبلغ مجموع مَن تمّ نقلهم إلى روسيا 174 ألفاً منذ بدء العملية العسكرية. من جهتها، تواصل سلطات كييف الرسمية رفْضها القاطع جميع طرق الإجلاء من كييف وتشرنيهيف وسومي وخاركيف وماريوبول إلى أراضي الاتحاد الروسي. ويتمّ راهناً الانتهاء من عملية إنسانية لإجلاء 223 مواطناً أجنبياً من منطقة خيرسون، عبر القرم إلى نوفوروسيسك.
على المستوى الدبلوماسي، وافقت موسكو على عقد لقاء في مدينة أنطاليا التركية بين وزير خارجيتها سيرغي لافروف، ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا بحضور نظيرهما التركي أحمد جاويش أوغلو، وهو ما يبدو أنه يحظى بمباركة أميركية ــــ أوروبية ــــ صينية. وعشيّة انعقاد هذا اللقاء، بحث لافروف مع نظيره التركي هاتفياً الوضع في أوكرانيا ومسار العملية العسكرية والتعاون بين البلدين.