تَميّزت الرأسماليات الاستعمارية الغربية، على مدى قرون، بقدرة عالية على توظيف التناقضات الاجتماعية والسياسية، الداخلية منها والخارجية، لتنفيذ مشاريعها ومخطّطاتها. ففي أوج توسّعها الاستعماري، عمدت إلى تصدير الفوائض «البشرية»، من طبقات شعبية معدَمة و/ أو جماعات دينية مضطهدة، لاستيطان المستعمرات، حفاظاً على استقرارها الداخلي، وإنفاذاً لمآربها في السيطرة على بقاع جديدة من جنوب العالم. أيّ مراجعة جدّية لتاريخ الاستعمار الاستيطاني الغربي، بما فيه المشروع الاستيطاني الصهيوني، ستُلحَظ بالضرورة هذه الخاصية الفريدة. المنطق نفسه ينسحب على استغلالها التناقضات الاجتماعية والسياسية في بلدان الجنوب المستعمَرة سابقاً، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، كما أظهرت القصة، التي باتت معروفة، لكيفية صناعة «الجهاد» الأفغاني ضدّ السوفيات في بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما أشرفت أجهزتها الأمنية، بالتعاون مع أنظمة الخليج وباكستان آنذاك، على تنظيم تدفّق آلاف المتطوّعين المضلَّلين العرب والمسلمين لـ«الجهاد» في بلاد الأفغان.