بالنسبة إلى عضو منصة "مفطحي يسرائيل"، عوديد طيرة، فإنّ نجاح المسار العسكري الذي سلكه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باتجاه أوكرانيا "لن تحدّده النتائج التكتيكية ووتيرة احتلال المدن الأوكرانية"، كما أنه لن يُحدّد بما وصفه بـ"النهج التضليلي المزيّف الذي يتبعه المعلّقون الـ(pseudo) الغربيون حول الصحة النفسية لبوتين".برأي طيرة، وهو جنرال سابق في جيش العدو ويعمل اليوم في "منصة القادة القوميين" التي أسّسها الجنرال الإسرائيلي السابق، عوزي دييان، عام 2015، وهدفها "صياغة وتقديم استراتيجية قومية - صهيونية، في مجال الأمن القومي بمفهومه الواسع"، فإنّ بوتين "ذكيٌّ بما يكفي ليتنبّأ بما هو مقدم عليه". وعندما خطّط لمساره العسكري، "كان مدرِكاً بأنّ الولايات المتحدة وأوروبا ستفرضان عقوبات على بلده. ولعلّه تفاجأ بما يبدو وكأنه اعتدال في فرض العقوبات". كذلك، "يدرك بوتين أنه عند الذهاب للحرب، لا يمكن التنبّؤ بدقة الليزر، بطول المدة التي ستستغرقها التحرّكات العسكرية المختلفة". مع ذلك، "بالنسبة إليه، على ما يبدو، فإنّ ما لا يُحصّل بالقوة - سوف يُحصَّل بأكبر قدر من القوة"، الأمر الذي "لن يدفع بوتين للخروج عن خطّته مهما حدث".
أمّا بالنسبة إلى ميزان القوى، فقد "كان واضحاً أمام بوتين، كما هو الحال بالنسبة إلى أيّ شخص آخر، وهو أنّ الولايات المتحدة متفوّقة على روسيا عندما يتعلّق الأمر بالقوة البرية والجوية. ولعله يعلم أيضاً أنّ سرباً من طراز F-22 وF-35 يمكنه القضاء على قوته البرية والجوية، في وقت قصير نسبياً، إذا ما قرّر الأميركيون أو الناتو التدخل بأيّ شكل من الأشكال. كما أنه مدرك أنّ الاقتصاد الروسي ضعيف، ويمكن أن يلحقه الضرر بشدة كنتيجة للحرب، بينما اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا قوية نسبياً ومستقرة".
في الوقت نفسه، يدرك الرئيس الروسي، بحسب طيرة، أنه "متفوّق على الحلفاء، أو على الأقل مساوٍ لهم في مكوّنات رئيسية عدّة: متفوّق عليهم في استعداده لاستخدام القوة من ناحية، ومتساوٍ معهم في الهيكلية النووية من ناحية أخرى. وعلى الرغم من حقيقة أنّ المجموعة النووية الروسية أصغر بكثير من المجموعة النووية الغربية الواسعة الانتشار والمتنوّعة، هناك تساوٍ في قدرة الضرر".
وطبقاً للجنرال الإسرائيلي، فإنّ "الغرب ينظر إلى بوتين على أنّه رجل قد ينتهج استراتيجية الدول المجنونة". في المقابل، تنطلق المقارنات من حقيقة أنّه "عندما تندلع حرب نووية، فإنّ عدد الصواريخ التي ستضرب روسيا أو الغرب لن يعود مهماً". إضافة إلى ذلك، "يعرف بوتين أنّ مجال الحرب الإلكترونية السيبرانية في روسيا راسخ وقوي تقريباً كما هو الحال في الولايات المتحدة".
ولأنّ بوتين أظهر للعالم استعداده لاستخدام سلاح المشاة، فمن المحتمل أن تكون روافعه الكبيرة، "التي ربما يكون قد بنى عليها مساره العسكري منذ البداية، هي مجال السايبر والنووي". ولذلك، بحسبه، "من المحتمل أن يسعى بوتين لمفاوضات انطلاقاً من الردع النووي"، وهي فكرة "يبدو أنها تحظى ببعض الدعم من المعلّقين الذين يشكّكون في صحته العقلية. وهؤلاء (المعلّقون)، يزيدون من مستويات الذعر لدى صنّاع القرار الغربيين".
يضع بوتين البعد الزمني في اعتباراته، مدركاً أنه "كلّما استمرت الحرب فإن روسيا والأولغارشية الروسية، سيعانون من أضرار اقتصادية خطيرة، حتى لو وجدوا قنوات للالتفاف على العقوبات والتحايل عليها، بمساعدة الصين أو غيرها". كما أنه مع مرور الوقت سيسقط قتلى كُثر من كلا الجانبين، و"ستتضرّر صورة بوتين أكثر فأكثر". لذلك، يعتقد طيره أنّ "بوتين معني بإنهاء مغامرته بسرعة. ومن أجل التوصّل إلى المفاوضات بسرعة، عليه التلويح بالنووي والسايبر. وقد يكون تصوّره أنّ إشارات في هذين المجالين (السايبر والنووي) قد تدفع الغرب وأوكرانيا إلى القبول بالمفاوضات بشروط دونية".
كيف سيردّ الغرب على إشارات بوتين؟ هل يخاطر بالتصعيد؟ الجواب بحسب الجنرال الإسرائيلي هو "لا". ويعزو السبب إلى أنّ "الغرب أيضاً ليس غبياً، ويقدّر الموقف. وسيكون ذكياً إذا ما اختار المفاوضات الندية في الوقت الحالي، غير منتظر لمزيد من المغامرات". ووفق ما يذهب إليه، فإنّ "ذلك يعني انتصار بوتين".
يدرك الرئيس الروسي أنه "متفوّق على الحلفاء، أو على الأقل مساوٍ لهم في مكوّنات رئيسية"


قد لا يتّفق المعلّق السياسي، وكاتب عَمود الرأي في "معاريف"، بن كسبيت، مع وجهة النظر هذه، فهو يشير إلى أنّه من الصحيح أنّ "بوتين ليس أودولف هتلر، لكنّ غزوه الوحشي لأوكرانيا يُعدّ بمثابة الخطأ الذي ارتكبه هتلر في غزوه المتعجرف والقوي لروسيا". كذلك، "من الصحيح أن روسيا ليست أوكرانيا وبوتين ليس هتلر، ولكن من المحتمل أن تتحوّل كييف إلى ستالينغراد. مدينة محاصرة، تتعرض للقصف، تفتقر لاحتمالات النجاة، وتتحوّل إلى رمز للمقاومة، وللصمود وللإصرار". وقال: "اليوم يلعب الجيش الأحمر دور الفيرماخت (الجيش الألماني) عام 1941، والعكس صحيح. أصبح الجيش الأوكراني اليوم محل الجيش الأحمر، المتعثر في ذلك الوقت، حتى ستالينغراد".
مع ذلك، يستدرك كسبيت بالقول: "لا، ليست هذه مقارنة بين الروس والنازيين. صحيح، في الأيام الأخيرة ارتفعت وتيرة الوحشية الروسية، ومن المؤكّد أنها لن تقف عند هذا الحد. القصف والغارات ضدّ المدنيين الأبرياء هي جرائم حرب". ويضيف: "لكنّهم (الروس) ليسوا نازيين، وليسوا مثل النازيين وحتى إنهم ليسوا بالقرب من النازيين. إنهم سيّئون بما يكفي بغضّ النظر عن هذه المقارنة من عدمها".
وبالرغم من أنّه اعتبر أنّ "بوتين لم يخسر بعد"، رأى أنه "من السابق لأوانه كيل المديح له". وبحسب ما يشير إليه، فإنّه "لا يزال يتمتع بقوة هائلة وأولوية وقدرة حاسمتين. وفي مقابله يقف رئيس كان حتى قبل ثلاث سنوات ممثلاً كوميدياً". ويرى بن كسبيت أن "المشكلة تكمن في أنّ الرحلة الروسية في أوكرانيا استحالت كابوساً. وزاد احتمال أن يكتشف بوتين يوماً ما أن نكتة زالينسكي هي نكتة على حسابه".
من جهة أخرى، لفت إلى أنّ مشكلة بوتين هي أنه "خاض حروباً سابقة"، موضحاً أنّ "جيشه لديه قافلة مدرّعة بطول 64 كيلومتراً، لكن إصراره ذو نفس قصير". وقال: "عندما يقاتل الروس من أجل وطنهم، فإنّهم يتحوّلون إلى ألدّ أعداء العالم، حالياً لا يقاتل الروس من أجل الوطن، من يفعل ذلك هم الأكرانيون. الروس يقاتلون بعيداً عن الوطن، ومن دون أيّ سبب حتّى"، متجاهلاً الإشارة إلى أنّ الحرب بدأتها روسيا بسبب الخطر الذي يتهدّد وجودها.
وختم مقالته بالتساؤل: "أين اختفت التنبؤات الصارخة بأنّ بوتين سوف يطيح بكييف، في غضون 48 ساعة. في الوقت الحالي، يبدو الأمر أشبه بـ48 يوماً، إذا لم نقل أشهراً". وأضاف: يذكّرنا تقدّم الجيش الأحمر بالحرب العالمية الأولى أكثر من الثانية. نأمل في هذه الوتيرة ألا نصل إلى الحرب العالمية الثالثة".
"تحليل" المعلّقين والمحلّلين الإسرائيليين على الحرب الدائرة في أوكرانيا، أمرٌ قرّر الجنرال يتسحاك بريك التعامل معه من زاوية مختلفة تماماً. وطبقاً لمقالة له في صحيفة "هآرتس"، فإنّ "كل من يراقب الهجوم الروسي على أوكرانيا لا يمكنه إلا أن يكون قلقاً ممّا يحدث في منطقتنا". والسبب أنه "في الوقت الذي استثمر فيه الروس في سلاح البر القوي، انطلاقاً من فهم أن لا إمكانية للدفاع أو الهجوم والنصر من دونه، وفي الوقت الذي طوّروا فيه الصواريخ والأدوات الطائرة غير المأهولة، فضّلت الدول الأوروبية تقليص ميزانية جيوشها البرية، كرمى للقدرات التكنولوجية غير المؤهّلة لمواجهة الدب الروسي". أمّا حلف "الناتو"، فقد اعتبر أنّه "عاجز عن مواجهة الهجوم الروسي على أوكرانيا".
"هذا بالضبط ما حدث في إسرائيل"، وفق بريك. فبينما "تعاظم العدو من حولنا، خلال السنوات العشرين الماضية، عبر تزوّده بمئات آلاف من الصواريخ، وآلاف الأدوات الطائرة غير المأهولة، ومن طريق تعزيز قواته البرية بشكل كبير"؛ بات المشهد كالتالي: "سوريا جبهة بحدّ ذاتها مدعومة من الروس والإيرانيين؛ الجيش المصري تحوّل إلى واحد من الجيوش العظيمة في الشرق الأوسط؛ حزب الله في لبنان لديه عشرات آلاف المقاتلين المنضوين تحت 13 فوجاً. أمّا حماس في غزة، فلديها حوالى 6000 مقاتل. وإزاء كلّ تعاظم القوة من حولنا، قرّر الجيش الإسرائيلي تقليص عديد القوات البرية بشكل متطرّف، إلى حدٍّ لا يمكن الوقوف في وجه جبهة واحدة ونصف الجبهة على الأكثر. كلّ هذا يحدث بينما سيتحتّم علينا في الحرب المقبلة التعامل مع خمس جبهات قتال على الأقل في وقتٍ واحد".
طبقاً لبريك وهو قائد الفرقة النظامية 36 في جيش العدو، فإنّ الأخير "لم يبنِ قدرات للرد على مئات الآلاف من الصواريخ وآلاف الطائرات المسيّرة التي يملكها العدو. بل أمضى 90% من وقته في المعركة بين الحروب، ولم يكرس الوقت والموارد لإعداد الجيش للحرب المتعدّدة الجبهات مستقبلاً". أمّا سبب ذلك، فهو "الافتقار المطلق في المستويين السياسي والأمني الإسرائيلييْن، خلال العقدين الماضيين، إلى الفهم في ما يتّصل بالتهديدات الكبرى التي نشأت وتطورت حولنا".
ورأى أنه "بينما يفكّر العدو من حولنا بشكل إبداعي وخارج الصندوق، متطلّعاً إلى الحروب المستقبلية، ومعدّاً جيشه لأجلها، يقبع جنرالاتنا أسرى التصوّرات البائدة، غير مدركين أو واعين للتغيّرات الحاسمة التي طرأت على أنواع التهديدات بوجه إسرائيل". فبحسب ما يرى، هم "يواصلون بعث أملهم بشكل حصري انطلاقاً من الطائرات (من خلال الاعتماد على سلاح الجو)، والتي حتى في عملية حارس الأسوار ضدّ غزة، لم تستطع حسم المعركة أو تحديد مصيرها". ووسط كلّ ذلك، "ستصبح قواعد سلاح الجو هدفاً استراتيجياً للعدو الذي سيطلق عليها مئات الصواريخ الدقيقة. ومع ذلك، فإنّ القوة الجوية ليست مستعدة لهذا السيناريو، وستكون أضرار الصواريخ عليها جسيمة ومصيرية".
برأي بريك "يتهدّد الخطر الوجودي دولة إسرائيل اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، منذ تاريخ الاستقلال (النكبة)". والدليل القاطع على ذلك، هو "أنه لا يمكن توقّع الحصول على مساعدة خارجية في يوم الحسم. ها هي الحرب الروسية في أوكرانيا: يقف الغرب متفرّجاً ولا يمد يده للمساعدة من الاحتلال الروسي. خلال لحظة الحقيقة، سنقف وحدنا أيضاً إزاء مصيرنا، ونحن لسنا مستعدّين لذلك".
لسنوات عديدة، كان المستوى السياسي، بحسبه، "ينتهج سياسة النعامة"، متهرّباً في الوقت نفسه "من الحقيقة". هذه السياسة "تكشف ضعفه أمام الجمهور، وعدم قدرته على التعامل بالشكل المطلوب من أجل أمن دولة إسرائيل. وفي الشكل العام هو لا يؤثر أيضاً على قرارات المستويات الأمنية العليا، فهو لا يوقف أفعالها ولا ينتقدها".
ولخّص بريك تمظهرات سياسة النعامة في عدد من النقاط، أبرزها أنّ "القيادة الأمنية العليا في وزارة الأمن وقادة الجيش نسجوا واقعاً افتراضياً حول استعداد الجيش للحرب من أجل كسب تعاطف الجمهور، دافعين بذلك الجيش إلى الاستخفاف (بهول المعركة القادمة)". فضلاً عن ذلك، "كثير من كبار الضباط في الاحتياط والجيش النظامي يملأون أفواههم بالماء، متخوّفين من التفكير في الحالة اليائسة لأمن الدولة ومواطنيها والسبب هو لئلّا تتوقف ترقيتهم. فالمصلحة الشخصية لبعضهم تتفوّق على المصلحة القومية".
أمّا "مواطنو إسرائيل فهم راضون عن أنفسهم ولا ينظرون إلى الأمام متراً واحداً، مثلهم مثل الأوكرانيين الذين كانوا متفائلين وراضين عن أنفسهم حتى اللحظة التي ذهب فيها الروس إلى الحرب". كذلك، تتمظهر السياسة في أنّ "قسماً لا بأس به من المراسلين والمعلّقين العسكريين في وسائل الإعلام يذرون الرماد في عيون الجمهور، وباتوا بذلك إعلاميين مُعبّئين". هؤلاء "لا يستعرضون الصورة الحقيقية أمام الجمهور، وهو ما حصل تماماً قبيل حرب يوم الغفران". كذلك، "هم أنفسهم، محلّلين كانوا ضبّاطاً في الجيش، يتحدّثون عن انتصاره في حارس الأسوار، ويحلّلون الحرب في أوكرانيا اليوم، بينما يتجاهلون الحديث تماماً عن التهديد الوجودي على دولة إسرائيل، محافظين كل الحفاظ على البقرة المقدّسة التي هي الجيش، حتى عندما تكون عرجاء وغير قادرة على تحقيق أهدافها. إنّ هذا هو مزيج فتّاك ووصفة كاملة لتحقيق التدهور حتى الهاوية".