أطلق الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بعد مغادرته كييف واجتماعه بالرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تصريحات عبّرت عن خيبة أمل كبيرة من نتائج المرحلة الأولى من وساطته بين أوكرانيا وروسيا. وبعد إصابته بفيروس «كورونا» مع زوجته أمينة، ليس من المتوقّع للوساطة التركية أن تُستأنف قبل أسبوعين أو ثلاثة. وفي هذا الوقت، ستكون الوساطة الفرنسية والألمانية بين موسكو وكييف وواشنطن، قد قطعت أشواطاً لا تُبقي لتركيا ما تفعله. وبعد مغادرته كييف، قال إردوغان إن «الغرب لم يساهم في حلّ التوتّر الروسي - الأوكراني، حتى الآن، بل يُعرقل الوضع». وأضاف: «أستطيع القول إنّهم يضعون العصيّ في الدواليب. لهذا أولي أهمية كبيرة للقائي مع السيد بوتين. وثمّة توافق مع السيد زيلينسكي في هذا الخصوص». وفيما اعتبر الرئيس التركي أنه «توجد في أوروبا أزمة قائد»، فقد أوضح أنه «قبل ذلك كانت (أنجيلا) ميركل تؤدّي هذه المهمّة، كانت تمتلك بيدها مفاتيح الحل. أمّا الآن فلا يوجد قائد مثلها». كذلك، لفت إردوغان إلى أن نظيره الأميركي، جو بايدن، لم يُظهر، حتى الآن، نهجاً إيجابياً لحلّ التوتّر الروسي - الأوكراني.مثل هذه التصريحات لا يمكن، بطبيعة الحال، أن تقع موقعاً حسناً لدى الزعماء الغربيين. ولكن الأساس، أن الوساطة التركية تلحظ التجوال بين عاصمتَين اثنتَين: كييف وموسكو، وربّما هنا تكمن الثغرة الأساسية فيها. فالمشكلة قائمة عملياً بين روسيا والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يُدركه إردوغان، ولكنه غير قادر على القيام بوساطة ناجحة بين طرفين، إذا كانت علاقته بأحدهما، أي بايدن، سيّئة. وإذا كان من حقّ تركيا أن تسعى إلى تخفيض منسوب التوتّر في منطقة يمكن لاندلاع حرب بين اثنَين من بلدانها أن ينعكس سلباً على مصالحها، إلّا أن الكُرة، هذه المرّة، لم تُصِب مبتغاها، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شرع مع نظيره الألماني، أولاف شولتز، بوساطة تذهب إلى عرين الأسد؛ فقد توجّه الأول إلى موسكو، بينما ذهب الثاني إلى واشنطن. بطبيعة الحال، لا يمكن توقُّع نتائج فورية من الوساطة الأوروبية الفرنسية - الألمانية، لكنّها قد تفتح نوافذ لإحداث اختراق في جدار الأزمة. وما يزيد الإلحاح الأوروبي على التوصّل إلى حلّ، أن استكشاف وفد أوروبي زار آذربيجان، أخيراً، لإمكانية استيراد الغاز الطبيعي من هناك، لم تكن نتائجه مشجّعة، فيما العوّامات الأميركية لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا، هي مجرّد لعبة صغيرة في خضمّ محيط هائج.
من الطبيعي أن تسعى تركيا إلى منع اندلاع حرب من شأنها أن تضرب مصالحها


وفي هذا الإطار، يقول الخبير المقرّب من إردوغان، برهان الدين دوران، في صحيفة «صباح»، إن تصريحات الرئيس التركي كانت متوازنة، فهو أكّد وحدة أراضي أوكرانيا، لكنّه يتفهّم مخاوف روسيا الأمنية. وإذ يرى الخبير التركي أن «الصين ليست في وضع يمكّنها من تقديم دعم ملموس لروسيا»، فهو يعتقد، بناءً عليه، أن «بوتين يحتاج إلى عمليات بحث جديدة، بما في ذلك الوساطة التركية». بدوره، يعتبر الكاتب تشيتينير تشيتين، في صحيفة «خبر تورك»، أن الوساطة التركية قد تصل إلى مرحلة تطبيق نموذج قره باغ في أوكرانيا، وإرسال قوّة مراقبة إلى مناطق النزاع في شرق البلاد، مثل خاركوف وماريوبول، مشيراً إلى أن «أوكرانيا ترحّب بذلك». ويدعو تشيتين تركيا إلى توخّي الحذر في تحرّكاتها، لأن كونها عضواً في «حلف شمال الأطلسي» قد يجبرها على الانخراط في عملياته في البحر الأسود ضدّ روسيا.
مع ذلك، كان وصول الوساطة التركية إلى طريق مسدود، حتى الآن، مناسبة ليفتح كتّاب «حزب العدالة والتنمية» نيراناً قوية على المواقف الأميركية والغربية عموماً، إذ أشار إبراهيم قره غول، في صحيفة «يني شفق»، إلى أن «الولايات المتحدة لا تريد نجاحاً للوساطات في أوكرانيا»، معتبراً أنها «تسعى لدفع روسيا إلى تفجير الحرب في البحر الأسود، بحيث تتورّط فيها موسكو وأنقرة في الوقت ذاته». واتّهم قره غول، الغرب، بأنه «دمّر دولاً ومجتمعات من أجل رفاهيّته، والآن يخطّط لحرب جديدة في البحر الأسود». وقال إن «الغرب كان يستخدم، في الماضي، منظّمات لضرب الدول، لكن هذه المرّة يريدون دفع الدول الأمامية لتكون وقود هذه الحرب». كما اعتبر أن «الغرب يستفزّ روسيا ويحرّضها على غزو أوكرانيا»، من أجل «أن تحتلّ هذا البلد، وتنشغل فيه لفترة طويلة»، مضيفاً أن تركيا «لن توافق على مثل هذا المخطّط التخريبي، لأنه سيكون كارثة بالنسبة إليها».
ويصف فؤاد بول، في صحيفة «حرييات» المؤيّدة لإردوغان، من جهته، خطط الولايات المتحدة في أوكرانيا والعالم، بـ«القذرة». ويقول إن الموقف الأميركي «متغطرس وفاسد ومتسلّط وحقير»، معتبراً أن «كلّ ما تفعله واشنطن هو نشر الفوضى والاضطهاد والقمع». ويشير الكاتب إلى أن «الولايات المتحدة تريد البحث عن حلفاء محلّيين في العالم، بهدف أساسي وهو تطويق الصين وروسيا وتركيا»، متابعاً أن «ما فعلته بريطانيا، قبل مئة عام من تمزيق الدولة العثمانية، تريد اليوم الولايات المتحدة فعله وتمزيق تركيا والإطاحة برئيسها». أمّا ندرت أرسانيل، في «يني شفق»، فيتساءل عمّا سيكون عليه موقف أنقرة في حال رغبت واشنطن في الردّ عسكرياً على أيّ غزو روسي لأوكرانيا، لافتاً إلى أن «الرئيس جو بايدن يُطلق إشارات متناقضة، مرّة بالتساهُل مع موسكو، ومرّة بالقول إنه مستعدّ للردّ بقوة على روسيا». ويخلص إلى أن «واشنطن تميل إلى خيار الحلّ السلمي وعدم تفجير حرب»، مشدّداً على أنه «يجب على تركيا أن تقيّم حساباتها على هذا الأساس، وأن يكون في أولى أولوياتها لقاء بوتين مع زيلينسكي على طاولتها».