«عندما يزور أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، البيت الأبيض، سيتميّز لقاؤه بالرئيس جو بايدن بانعكاسِ دورٍ استثنائي. بدلاً من الطلبات الاقتصادية والعسكرية التي يتقدّم بها قادة الدول الأصغر من واشنطن، سيكون بايدن هو الذي يقدّم طلبه الأهمّ: أرجو المساعدة في أوكرانيا». سايمون هندرسون، الذي بدأ تقريره في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» بهذه الجملة، قبل يومين، لخّص المُعضلة التي يواجهها بايدن، في إطار معالجته التطوّرات على الساحة الأوروبية. ولكن ما يسعى إليه هذا الأخير قد لا يكون موجوداً عند قطر، بل ربما يتطلّب مساعدة من دول عدّة حليفة، من داخل «الناتو» أو من خارجه.من المعروف أن قطر تملك ثالث أكبر احتياطيات الغاز في العالم، بعد روسيا وإيران، كما تُصدّره بكمّيات كبيرة كمواد طبيعية مسالة. بالتالي، يأمل بايدن في أن تتمكّن بعض ناقلات الغاز الطبيعي المُسال القطرية من التوجّه إلى أوروبا، في حال دفعت الأزمة الأوكرانية موسكو إلى قطع أو تقليص صادرات الغاز الروسي، والتي تمثّل 40 في المئة من الطلب الأوروبي. ولكن ما دون هذه الآمال عقبات عدّة تتمثّل، ببساطة، في حجم العرض والطلب؛ إذ إن معظم صادرات قطر مرتبطة بالعملاء في آسيا، بموجب عقود طويلة الأجل. بالتالي، فإن ما ستسعى إليه واشنطن، هو إقناع بعض هؤلاء العملاء، بمَن فيهم الهند واليابان وكوريا الجنوبية، بالسماح لعدد قليل من تلك الشحنات بالذهاب إلى أوروبا. ولكن حتى إذا جرى إقناعهم، فلن يكون لذلك سوى تأثير ضئيل في تخفيف التداعيات، وفقاً لمحلّلي الطاقة. وفي هذا الإطار، قال يسار المالكي، خبير الطاقة في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن ، إن «قطر ترى في الطلب الأميركي فرصة لتحسين علاقتها مع الولايات المتحدة، بعد أفغانستان»، معتبراً في الوقت ذاته أنه «سيكون من الصعب للغاية القيام بذلك، لأنه لا يوجد فائض في العرض». من جهته، أشار بيل فارين- برايس، المدير في شركة الأبحاث «إنفيروس»، إلى أن «قطر لا تملك عصا سحرية لتعويض النقص في الغاز الأوروبي»، خصوصاً أنها في أقصى قدراتها الإنتاجية، وعليها أن تحترم العقود الآجلة المبرمة أساساً بينها وبين آسيا.
من هنا يُطرح السؤال: ما الذي ستفعله الإدارة الأميركية؟
يرى العديد من المحلّلين أنّ قطر لا تملك عصا سحرية لتعويض النقص في الغاز الأوروبي


بحسب مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن، فقد أجرى مسؤولو البيت الأبيض محادثات مع شركاء آسيويين بشأن التخطيط للطوارئ. وإذ أعلنت واشنطن أن الخطّة لا تزال قيد التطوير، فقد أوضحت أنها لن تعتمد فقط على مورّد «واحد أو اثنين». وبدلاً من ذلك، فإن الجهد سيتطلّب «العديد من المصادر» للتعويض عن انقطاعٍ روسي محتمل، وفقاً لمسؤول بارز في الإدارة الأميركية. أمّا المورّدون الإضافيون الذين يتطلّع مسؤولو هذه الإدارة إلى الحصول على مساعدتهم، إذا لزم الأمر، فهم إيطاليا وهولندا والنروج وأستراليا - أكبر مورّد للغاز الطبيعي المُسال في العالم - إضافة إلى الولايات المتحدة.
في هذه الأثناء، تزامن الدفع الأميركي من أجل الاعتماد على قطر في إطار إمدادات الغاز الأوروبية، مع تصنيف بايدن لهذه الدولة الخليجية الصغيرة على أنها حليف رئيس من خارج «الناتو»، وهو ما وصفته وكالة «أسوشييتد برس» بأنه «شرف رمزي إلى حدّ كبير». وعلى رغم ظهور الأمر كـ«رشوة» لقطر في مقابل تسهيل إمدادات الغاز، فقد اعتبرت الوكالة أن بايدن «يعبّر بذلك عن امتنان إدارته لمساعدة الدوحة في عمليات الإجلاء من أفغانستان، وإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، العام الماضي». ونقلت عن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، قوله إن تسمية الحليف من خارج «الناتو» لم تكن مرتبطة بآمال بايدن في أن تساعد قطر الحلفاء الأوروبيين في خطة طوارئ للطاقة، إذا غزت روسيا أوكرانيا، مضيفاً أن «التصنيف كان بسبب مساعدة قطر في أفغانستان والشرق الأوسط». وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى التحسّن الذي طرأ على العلاقة بين الدولتين، بعد الصعوبات التي واجهتها خلال عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي كان قد أيّد الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر، عام 2017، على قطر. كما اتّهمها، علناً، بأنّها مموّل «رفيع المستوى جداً» للإرهاب، قبل أن يتراجع في وقت لاحق عن موقفه بشأن الحصار.
من جهة أخرى، استغلّ بايدن وتميم اجتماعهما لمناقشة الأمن في الشرق الأوسط والوضع في أفغانستان، حيث تدهورت الأوضاع الإنسانية في أعقاب الانسحاب الأميركي، العام الماضي، واستيلاء «طالبان» على السلطة. كما ناقشا أيضاً جهود الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وفي سياق متصل، أعلنت وزيرة التجارة الأميركية، جينا ريموندو، والسفير القطري، مشعل بن حمد آل ثاني، أن «الخطوط الجوية القطرية» وافقت على طلب 34 طائرة شحن، مع خيار شراء 16 طائرة أخرى، من شركة «بوينغ» الأميركية. بالتالي، قد يصل إجمالي الصفقة إلى أكثر من 20 مليار دولار، وفقاً لشركة الطيران.