لم تُخفِ إسرائيل قلقها من تداعيات الهجمات اليمنية على الإمارات، والتي لا تقتصر على إمكانية استهدافها هي، بل تشمل تأثيرها السلبي المحتمل على جُملة مصالح أمنية وسياسية في أكثر من اتّجاه، داخلي وإقليمي، بعدما كان سقف التوقّعات الإسرائيلية من الشراكة مع الجانب الخليجي، والإماراتي تحديداً، مرتفعاً جدّاً، إلى حدّ انتظار اصطفاف أبو ظبي بالكامل إلى جانب تل أبيب، في مواجهة «العدو المشترك»، أي إيران. مع ذلك، تحمل الهجمات فرصة لإسرائيل، من شأنها، إذا ما أحسنت الأخيرة استغلالها، أن تخدم استراتيجياتها في أكثر من ساحة إقليمية، عن طريق استثمار هذا التهديد لعرْض قدراتها الاستخبارية والدفاعية، والتي تقول تل أبيب إنها «مدعاة حسد» العالم، بفعل نجاعتها في مواجهة الصواريخ والطائرات المسيّرة. وعلى خطّ موازٍ، وفي ظلّ ترجيح الانكفاء الإماراتي الذي أنبأ به حرص أبو ظبي على إيصال رسائل تهدئة عبر القريب والبعيد، ستعمل إسرائيل على الحدّ من ذلك الانكفاء، عبر محاولة طمْأنة حكام الإمارات، والتي لم تتعدَّ إلى الآن المستوى اللفظي.هذا التزاحم، ما بين التهديدات والفُرص، هو الذي يفسّر جملة تصريحات ومواقف إسرائيلية لافتة جدّاً، تركّزت على التنديد بالهجمات اليمنية، واتّهام إيران بالوقوف خلفها. ومن شأن هذه الاتهامات المفرطة، أن تُظهر مدى حراجة موقف تل أبيب التي تريد استغلال الحدث بأيّ طريقة وإنْ عبْر التحريض، لتعزيز الفرص الكامنة فيه. كذلك، يفسّر التزاحم نفسُه الحديثَ الإسرائيلي عن إمكانية مساعدة الإمارات استخبارياً، أو تزويدها بقدرات دفاعية، يَصعب على الكيان أن يضعها موضع الاختبار العملي، بعيداً عن اختباراتها المحدودة في مواجهة قطاع غزة، مع الفارق الكبير بين التحدّيَين. على رغم ما تَقدّم، يظلّ التقدير السائد في تل أبيب هو أرجحية انكفاء الإمارات، لا عبْر الامتناع عن مساوَقة إسرائيل في مواجهتها مع إيران فحسب، بل قد يتجاوزه إلى نوع من «الحياد الإيجابي» يجعل أبو ظبي أقرب إلى طهران منها إلى تل أبيب، في ما يمثّل واحدة من أبرز تداعيات الضربات اليمنية الأخيرة، التي تمثّل أيضاً عيّنة ممّا قد يواجهه الكيان في حال اندلعت المواجهة مع «حزب الله» في لبنان، وهو الأمر الذي يشكّل بدوره عنصراً من عناصر الردع المتبادَل بين الجانبين.
التزاحم ما بين التهديدات والفُرص هو الذي يفسّر جملة تصريحات ومواقف إسرائيلية لافتة جدّاً


من جهة أخرى، ثمّة خشية من الموقف الأميركي نفسه، الذي يتضافر، من وُجهة نظر إسرائيل، مع التداعيات السلبية للهجمات، ليتسبّب بنتائج استراتيجية سيّئة للكيان. صحيح أن واشنطن دانت الضربات وعبّرت عن تضامنها مع الإمارات، إلّا أن الوُجهة العامّة لمقاربتها في المنطقة، لا تتضمّن أيّ حراك إيجابي عملي على الأرض في اتّجاه التغيير أو صدّ التغيير، بل هي تكتفي بالعمل على منْع التغيير من التسبُّب بتصعيد، في ما يمثّل تراجعاً أشدّ سوءاً من الانسحاب الفعلي من المنطقة. تراجعٌ بات يشكّل مصدر إقلاق دائم لإسرائيل، لإدراكها أنه سيضرّ بمصالحها الأمنية وآمالها التي بنتها على الشراكة مع الجانب الخليجي في مواجهة إيران، سواءً في الساحة الإيرانية نفسها، وأو في ساحات حلفاء إيران في الإقليم. وفي هذا السياق، تؤكد صحيفة «إسرائيل اليوم» أن «منسوب القلق مرتفع جدّاً ومشترك، في إسرائيل والإمارات، من الضعف الذي تُبديه الولايات المتحدة في المنطقة». ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، «كلّما ضعُف موقف الولايات المتحدة في نظر الإمارات، ازدادت حرارة العلاقات بينها وبين إيران لحماية نظامها»، بعدما كان الهدف توفير الحماية للنظام الإماراتي عبر شراكته مع إسرائيل. ولعلّ ذلك التقدير لا يخلو من وجْه صحَة، على رغم كلّ ما تبذله تل أبيب وأبو ظبي من جهود لتأكيد شراكتهما البينية، والتي لا يريدها الكيان العبري لفظية وشكلية، من دون أن تكون معبراً للإضرار بإيران.
وفي سياق تثبيت تلك الشراكة، على رغم التشكيك الإسرائيلي في جدواها، أُعلن في تل أبيب عن زيارة للرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى الإمارات يوم الأحد المقبل، تستهدف تحقيق أكثر من فائدة للجانبين. وعلى رغم أن الزيارة كانت مقرَّرة قبْل الهجمات اليمنية الأخيرة، لكنّها ستكون مناسَبة لتثبيت «اتفاقية آبراهام» في الشكل، فيما في المضمون باتت ترجمةُ ذلك عملياً مرهونة أكثر من أيّ وقت مضى بعوامل قاهرة بالنسبة إلى الإمارات، يتعذّر معها على الأخيرة أن تُجاري إسرائيل في كلّ ما تتطلّبه مصالحها، في مواجهة إيران.