طهران | بينما تستمرّ الجولة الثامنة من محادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا، تتصاعد الضغوط على إيران، من مختلف الأطراف، من أجل دفْعها إلى القبول بـ«الاتفاق المؤقّت»، الذي كانت قد أعلنت رفضها له. وقبل يومين، نقلت شبكة «إن بي سي نيوز» الأميركية، عن «مصادر مطّلعة»، قولها إن موسكو عرضت، خلال الأسابيع الماضية، على طهران «اتفاقاً نووياً مؤقّتاً» يتضمّن رفْعاً «محدوداً» للعقوبات، مقابل فرْض بعض القيود على البرنامج النووي الإيراني. وبحسب المصادر نفسها، فقد قُدّم الاقتراح المذكور بعِلْم من الولايات المتحدة. وعلى رغم أن الأطراف الغربية كانت قد تداولت، سابقاً، في الفكرة عينها، إلّا أنه من الواضح أن الأمر مختلف هذه المرّة، ولا سيما أن الجانب الروسي قد انخرط بقوّة في المسعى الجديد، في ما يمكن أن يزيد من الضغوط على إيران، ويعقّد موقفها. وكانت تقارير عدّة قد أفادت بأن موسكو تلعب خلال المحادثات الراهنة دور الوسيط، خصوصاً في ظلّ غياب الحوار المباشر بين طهران وواشنطن. كذلك، كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد دعا روسيا، قبل فترة، إلى استخدام نفوذها لدى إيران، وممارسة الضغط عليها، كي تُدرك الأخيرة أن «القضية ذات صفة مستعجلة». وفي هذا الإطار، قال بلينكن إن ثمّة «نافذة ضيّقة» لعودة بلاده إلى الاتفاق النووي، محذّراً في الوقت ذاته من أنه في حال لم يَجر التوصّل إلى اتفاق جديد، في غضون الأسابيع المقبلة، فإن تطوير البرنامج النووي الإيراني يجعل من الصعوبة العودة إلى «خطّة العمل المشتركة الشاملة». وعلى الرغم من أن موسكو لطالما انتقدت انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وإعادة فرْض العقوبات على طهران، إلّا أنها لم تكن لتُوافق على خفْض إيران التزاماتها النووية، كما أبدت تحسّساً خاصّاً إزاء اقتراب هذه الأخيرة من القدرة على صنْع قنبلة نووية. ويأتي تقديم روسيا اقتراح «الاتفاق المؤقّت»، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، بعدما كانت قد استضافت، الأسبوع الماضي، الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، حيث شكّلت محادثات فيينا أحد المواضيع التي جرى نقاشها بين الجانبَين. غير أن المسؤولين الإيرانيين عبّروا، مراراً وتكراراً، عن معارضتهم لهكذا اتفاق، وهو ما جدّدوا تأكيده أخيراً، إذ نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، عن مصدر قريب من الفريق النووي المفاوِض، قوله إن «الاتفاق المؤقت لم يكن مُدرجاً في أيّ وقت من الأوقات على جدول أعمال إيران، التي تَقبل فقط اتفاقاً مستديماً يمكن التعويل عليه». واعتبر موقع «نور نيوز»، التابع للمجلس الأعلى للأمن القومي، من جهته، أن «الاتفاق المؤقّت هو كلمة مرور صمّمتها إدارة جو بايدن، للتهرّب من تنفيذ التزاماتها الواردة في الاتفاق النووي، وفي الوقت ذاته، من أجل تسجيل مكسب استعراضي، في إطار الشعارات التي طرحها الديموقراطيون في الانتخابات الرئاسية لعام 2020».
طالب مالي بالإفراج عن «رهائن» أميركيين لدى طهران مقابل التوصّل إلى اتفاق نووي


بدورها، تفيد مصادر دبلوماسية إيرانية، «الأخبار»، بأن «ما قُدّم في إطار الاتفاق المؤقت، يختلف عمّا كان قد قُدّم في هيئة إجراءات بناء الثقة»، مؤكداً أن «طهران جاهزة لاتّخاذ هكذا إجراءات، مقابل خطوات مماثلة من واشنطن، بما فيها تحرير جزء من الأموال الإيرانية المجمّدة». وتُشدّد المصادر على أن «هذه الإجراءات يجب أن تحصل خلال المحادثات، وتكون عاملاً لتسهيل وتبسيط الحوار، لإحياء الاتفاق النووي دفعة واحدة». وتوضح أن «الاقتراح الروسي هو في الأساس اقتراحٌ أميركي، يتمّ بموجبه إرساء اتفاق مؤقّت، على أن تبدأ المحادثات للتوصّل إلى الاتفاق النهائي، بعد بضعة أشهر من ذلك»، مؤكدة أن «هذا أمرٌ غير محبّذ من قِبَل طهران، لأنها قلقة من أنها في حال خسرت أدوات الضغط المتوفّرة لديها، فإنها ستخسر القدرة على المساومة للتوصّل إلى اتفاق نهائي، ودفع واشنطن إلى رفع جميع العقوبات». كذلك، توضح المصادر أنه «في ما يخصّ أحد المواضيع الخلافية في المحادثات، أي وضع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتطوّرة، فإن روسيا قد اقترحت نقل الأجهزة إليها»، مشيراً إلى معارضة طهران هذا الاقتراح، مضيفاً أنه «في حال جرت تنحية أجهزة الطرد المركزي جانباً، بعد إحياء الاتفاق النووي، فيجب أن لا تخرج من الأراضي الإيرانية، وذلك كي يشكّل وجودها ضماناً لتَقيّد واشنطن بالتزاماتها، ولكي تتمكّن طهران من إدخال هذه الأجهزة مجدّداً إلى العمل، في حال انتهكت أميركا هذه الالتزامات».
في غضون ذلك، ربطت واشنطن المفاوضات بقضايا غير ذات صلة، إذ أعلن كبير المفاوِضين النوويين الأميركيين، روبرت مالي، أول من أمس، أن «من غير المرجّح أن تتوصّل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران لإنقاذ الاتفاق النووي، ما لم تُفرج طهران عن أربعة مواطنين أميركيين»، تقول واشنطن إن الأخيرة تحتجزهم رهائن. وردّاً على ذلك، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أمس، أن «إيران لن تقبل بأيّ شروط مسبقة من أجل التوصّل إلى اتفاق»، مستدركاً بأن «قضية المعتقلين في السجون الإيرانية قابلة للحلّ».