تسود الساحةَ السياسية الإسرائيلية حالةُ ترقّب للتداعيات التي ستترتّب على الصفقة المحتملة بين رئيس المعارضة وزعيم حزب «الليكود» بنيامين نتنياهو، وبين النيابة العامّة - حول ملفّات الفساد المتورّط فيها الأخير -، والتي من شأنها إذا ما تمّت، إخراجه من المشهد السياسي، وإعادة خلْط أوراق التحالفات القائمة، وإطلاق تنافس حادّ داخل «الليكود» على خلافة نتنياهو، فضلاً عن إطاحة الحكومة الحالية. صحيحٌ أنه في الأحوال الطبيعية لا يُفتَرض أن يؤدّي خروج زعيم سياسي من المشهد إلى هذا المستوى من التداعيات، إلّا أنّ الحدث، في هذه الحالة، يتجاوز أبعاده القانونية والقضائية؛ كونه يتّصل بشخصيّة مركزية سيؤدّي تحييدها إلى إزالة العقبة الأهمّ أمام تشكيل حكومة يمينية، واستبعاد العامل الذي لا يزال يوحِّد ائتلافاً غير متجانس، ويمثّل هاجساً دائماً لرئيس هذا الائتلاف، نفتالي بينت، ولكلّ عضو فيه. وهكذا، وبما أن نتنياهو لا يزال يضبط إيقاع المؤسّسة السياسية، فقد تَحوَّل مستقبله إلى عامل مُحدِّد لمستقبل الوضع السياسي برمّته.اللافت أن تداعيات الصفقة المُتوقّعة بدأت بالتوالي، قبل حسمها، وفق ما أنبأت به تصريحات كبار المسؤولين. إذ توجَّه بينت إلى المحلّلين السياسيّين الذين تناولوا مستقبل الحكومة بالقول: «ارتاحوا، حكومة إسرائيل تعمل ومستمرّة بالعمل بشكل هادئ وجيّد»، في إشارة إلى إدراكه تأثير هذا المتغيِّر على مستقبلها وتركيبتها. وعلى الخلفيّة نفسها، أتى تعقيب وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، الذي اعتبر أن «صفقة نتنياهو هي الانفجار الكبير للنظام السياسي»، لكنه دعا إلى التريّث؛ بالنظر إلى أن «انتخاب وريث في الليكود هو عملية تستغرق عدّة أشهر، وآمل أن تستمرّ هذه الحكومة الجيّدة في العمل». وفي الوقت نفسه، حذّر ليبرمان من أن نتنياهو «يعمل على ثغرة تسمح له بالعودة إلى السلطة».
ويأتي ذلك في وقت تستمرّ فيه اللقاءات بين محامي نتنياهو والنيابة العامة، والتي بلغت خمسة إلى الآن. وبحسب التقارير الإسرائيلية، فقد عرَض المحامي بوعاز بن تسور، على المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، صفقة يعترف بموجبها رئيس الحكومة السابق بتهمتَي الاحتيال وخيانة الأمانة في ملفّات محدّدة، ولا يعترف بالرشوى في ملفّ آخر، على أن يستقيل من «الكنيست»، وتكون عقوبته العمل في خدمة الجمهور لمدّة ثلاثة أشهر، مع إلغاء «وصمة العار» عنه. لكن مندلبليت شدّد على أن هذه القضية ينبغي أن تنتهي بالسجن أو العمل في خدمة الجمهور لثلاثة أشهر أو أكثر، وأنه في «ملفّ فساد سلطوي خطير إلى هذه الدرجة ليس بالإمكان الالتفاف على وصمة العار».
بدأت الرياح تعصف بـ«الليكود» على خلفية المنافسة على وراثة نتنياهو


على أيّ حال، ينطوي عرْض هذه الصفقة على إقرار ضمني بالتُهم المُوجَّهة إلى نتنياهو، وقناعة لدى الأخير بأنه لا سبيل لنجاته من السجن سوى عبر مقايضة من هذا النوع. وممّا يعزّز التَوجُّه نحوها أن بقاء نتنياهو على رأس المعارضة سيُبقي حالة التوتّر السياسي قائمة، ويقيّد أداء الحكومة، ويساهم في توطيد التحالف بين بعض اليمين والوسط واليسار لمنْع عودته إلى منصبه السابق، فضلاً عن أن استمراره في رئاسة «الليكود» هو السبب في منْع عودة الحزب إلى رئاسة الحكومة، خصوصاً أن فشل الرهان على سقوط ائتلاف بينت - (يائير) لابيد خلال أشهر معدودة، وتحديداً بعد المصادقة على الموازنة العامة، بدَّد آمال نتنياهو في تفكّك الائتلاف والعودة إلى الحُكم. ومن هنا، وجد «الليكود» نفسه أمام خيارَين: إمّا استمرار التمسّك برئيسه الحالي وبالتالي البقاء خارج الحكومة، أو الإطاحة به للعودة إلى الحكومة.
ومع رجحان الخيار الثاني، بدأت الرياح تعصف بـ«الليكود» على خلفية المنافسة على وراثة نتنياهو، والتي يتصدّر حلبتَها إلى الآن حاييم كاتس، نير بركات، ويولي أدلشتاين، إلى جانب أسماء جديدة بدأت تطلّ برأسها مِن مِثل ميري ريغف، وتساحي هنغبي، وأمير أوحانا، وآفي ديختر. ومع أن عملية انتخاب رئيس للحزب قد تستغرق أشهراً في الأحوال الطبيعية، إلّا أن ثمّة تَوجُّهاً داخل «الليكود» لتسريع العملية إذا ما حُسمت مسألة خروج نتنياهو من المشهد السياسي. وبحسب دستور الحزب، منذ اللحظة التي «لا يستطيع» فيها الرئيس الحالي تنفيذ مهامه، يتمّ انتخاب رئيس المركز، عضو «الكنيست» حاييم كاتس، خلَفاً مؤقّتاً له. وتفيد التقارير بأن كاتس يتمتّع بتفوّق نسبي على المرشّحين الآخرين، إلّا أن استطلاعات الرأي تُظهر تَقدّم بركات كشخص يمكنه تشكيل حكومة الآن أو في أعقاب الانتخابات، كما تمنح شعبية ملحوظة لأدلشتاين في الانتخابات التمهيديّة وسط المنتسبين إلى الحزب. لكن ثمّة احتمالاً لأن يعمد الرئيس المؤقّت، كاتس، إلى تشكيل حكومة، ويسعى للترشّح في الانتخابات التمهيديّة أو تأجيل إجرائها من موقع قوّة السلطة.
أمّا بخصوص مستقبل الحكومة، وعلى رغم أنه لا يزال من المبكر حَسمه، فالأكيد أن «صفقة نتنياهو» ستؤدّي إلى تَغيُّر المصالح السياسية والحزبية لبعض مَن في السلطة أو المعارضة، وهو ما سيضع عقبات أمام استمرار ولاية الحكومة الحالية. وبحسب التقديرات الأوّلية، فإن أحزاب اليمين ستفضّل تشكيل حكومة جديدة مع حزب «الليكود» أو «الأحزاب الحريدية»، بعيداً من «العمل» و«ميرتس» و«القائمة الموحّدة» (العربية)، مع الإشارة إلى أن سقوط حكومة بينت لا يعني بالضرورة التوجُّه نحو انتخابات مبكرة، وإنّما بحسب قانون أساس الحكومة، يعمد الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، إلى إجراء مشاورات من أجل تكليف عضو «كنيست» بتأليف حكومة جديدة. ومع ذلك، لا يزال أمام هذا السيناريو العديد من المحطّات والمُتغيّرات، التي ستكون لها الكلمة الفصل في إعادة إنتاج المشهد السياسي الداخلي مستقبلاً.