تحت عنوان «فنزويلا: من المقاومة إلى الانتعاش في الإنتاج والرعاية الاجتماعية»، نشر خيسوس فاريا، رئيس اللجنة الدائمة للاقتصاد والشؤون المالية والتنمية الاقتصادية التابعة لـ«الجمعية الوطنية» وعضو القيادة الوطنية لـ«الحزب الاشتراكي الموحّد الفنزويلي» (PSUV)، مقالاً تحليلياً في صحيفة «Liberation News» التابعة للحزب، حول الأوضاع التي مرّت بها البلاد منذ محاولة الانقلاب، برعاية أميركية، عام 2018، على الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو. افتَتح فاريا مقاله بالحديث عن آثار الحصار الأميركي الذي وصفه بأنه «جريمة إبادة جماعية بحقّ شعبنا»، لافتاً إلى أن «التكلفة الاقتصادية للعقوبات غير القانونية التي فرضتها واشنطن وحدها، تجاوزت الـ120 مليار دولار، وأثّرت على الأمّة بأكملها، ولكن بشكل أساسي على صناعة النفط، قلْب الاقتصاد الفنزويلي»، حيث أدّت إلى انخفاض الإنتاج من مليونَي برميل يومياً عام 2017، عندما فرضت إدارة دونالد ترامب أولى عقوباتها، إلى مستوى قياسي وصل إلى أقلّ من 150 ألف برميل يومياً العام الماضي، وبالتالي انكماش دراماتيكي في الصادرات النفطية التي تُشكّل 95% من دخْل البلاد من العملة الصعبة الأجنبية، و 70% من الإيرادات المالية. كذلك، تمّت مصادرة الأصول الفنزويلية في الخارج، الأمر الذي كبّد الدولة خسارة تجاوزت الـ35 مليار دولار. وفي المجمل، تسبّب تعطيل محرّكَين أساسيَّين للنموّ الاقتصادي، بتقهقر النشاط الإنتاجي، وتسريع عملية التضخم، وتراجع الواردات، وتدهور الدخل المالي للدولة؛ وتبعاً له ارتفاع التكلفة المعيشية، وتردّي الخدمات العامة، فضلاً عن انخفاض العمالة والأجور، وتهاوي الضمان الاجتماعي، وبالتالي اتّساع رقعة الفقر.هذه النتائج اعتبرها فاريا «منطقية»، على اعتبار أن «العدوان الأميركي على كاراكاس هدف إلى خلق أزمة اقتصادية خانقة، تؤدي إلى سيناريو من عدم القدرة على الحُكم والفوضى، وبالتالي الإطاحة بالحكومة من قِبَل الشعب، أو اندلاع حرب أهلية أو تدخّل أجنبي لأغراض إنسانية». ومن هنا، رأى الكاتب أن الأزمة التي مرّت بها البلاد «ليست بسبب عوامل داخلية أو آليات تقليدية تُحدّد أداء الاقتصاد»، بل إنها «نتاج هجومٍ شرسٍ أطلقته الغطرسة الإمبريالية ضدّ حكومة تُمارس سيادتها وتتحدّى هيمنة اليانكي المفروضة منذ بداية القرن الـ20 في ساحتها الخلفية». إزاء ذلك، كان على فنزويلا، وفق فاريا، «التغلّب على الأزمة السياسية أولاً، لتتمكّن تالياً من إعادة تنشيط الاقتصاد»، الذي بدأ استرداد عافيته منذ النصف الثاني من العام الماضي، وهو ما يمكن إرجاعه، بحسب المسؤول الفنزويلي، إلى عدّة عوامل أبرزها:
أوّلاً، استعادة إنتاج النفط، والذي عاد ليرتفع إلى أكثر من 900 ألف برميل يومياً، بفعل العمل الدؤوب لموظّفي قطاع النفط، وقدرتهم على تخطيط العمليات التكنولوجية وإدارتها وتحسينها، إضافة إلى التكيّف مع ظروف الحصار.
ثانياً، قانون مكافحة الحصار، والذي تمّ بموجبه تأسيس شركات خاصة تعمل على تطوير خطط استثمارية تحت إشراف الدولة الفنزويلية.
ثالثا، حلفاء فنزويلا الذين قدّموا لها مساعدات عديدة، وعلى رأسهم إيران التي تحدّت العقوبات الأميركية، وساهمت في زيادة الإنتاجية الفنزويلية في مجالات مختلفة أبرزها النفط.
رابعاً، الاستثمار الخاص، الذي زاد بشكل تدريجي ومستقلّ عن عائدات النفط، ولا سيما في قطاعات السلع والخدمات، وهو ما أنبأ بعودة الثقة والأمان الضروريَّين للاستثمار، تبعاً لعودة الاستقرار السياسي.
خامساً، وهو العامل الأساسي في هذا الانتعاش؛ تماسُك سياسات الحكومة الاقتصادية، وتناسقها في مواجهة العديد من التحدّيات، خصوصاً لناحية الالتفاف على العقوبات بمساعدة الحلفاء الدوليين الذين يعانون من الحصار نفسه مثل كوبا وإيران.
سادساً، العاملون في قطاعات الصناعة الأساسية، والذين «حقّقوا في هذه الأزمة قفزة نوعية في قدرتهم على النضال سياسياً واقتصادياً»، وتمكّنوا، بفضْل تنظيمهم ووعيهم، من زيادة إنتاج الإمدادات الأساسية للصناعات الرئيسة في البلاد.
وعن التحدّيات التي تنتظر الحكومة عام 2022، اعتبر فاريا أنه على رأس القائمة يأتي الحفاظ على القوّة السياسية والتفوّق في مواجهة «الثورة المضادّة»، بالإضافة إلى مواصلة مكافحة البيروقراطية والفساد. وفي ما يتعلّق بالسياسة الاقتصادية، رأى أن هناك أربع مهامّ أساسية يتعيّن على الحكومة إنجازها، وهي: استعادة القدرة التمويلية للجهاز الإنتاجي وتجنّب تشغيل توربينات التضخّم؛ حماية استقرار صرف العملات من خلال زيادة تدفّق العملات الأجنبية للتمكّن من الدفاع عن العملة الوطنية؛ حماية الإنتاج الوطني بالتعريفات من دون المخاطرة بمستوى التوريد المحلي؛ والاستمرار في زيادة الإيرادات الضريبية للبلاد. وشدّد على أنه، وبالمثل، يجب تعزيز إنتاج الصناعات الأساسية، ليس فقط من خلال الجهود التي يبذلها العمال، بل وأيضاً من خلال ضخّ رأس المال ودمج تقنيات جديدة، وهو ما سيُساعد في إعادة تنشيط الجهاز الإنتاجي المحلّي بأكمله، وبالتالي تقليل واردات الموادّ الخام والمدخلات بشكل عام.
أمّا بخصوص «دولرة الاقتصاد»، فلفت الكاتب إلى أنها، وعلى الرغم من مساهمتها في استعادة الإنتاج من خلال ضخّ الموارد الأجنبية، إلّا أنها ليست قابلة للتطبيق كصيغة للتنمية الاقتصادية، مستدركاً بأنه «مع عودة الاقتصاد إلى طبيعته الكاملة، سوف نستفيد من الجوانب الإيجابية لهذه الظاهرة كصمّام للخروج من وضع خطير للغاية نتج من عقوبات اليانكي الجنائية». كذلك، شدّد فاريا على ضرورة أن يشهد قطاع الاستثمار بفرعَيه العام والخاص انتعاشاً، لتعزيز التوسّع في الإنتاج الوطني، موضحاً أن «الثقة، والنموّ الاقتصادي، والقوّة المالية للدولة، والانفتاح على رأس المال الأجنبي بتوجيه من الدولة، ومناخ الثقة والاستقرار.... كلّ ذلك سيحدّد» سلوك هذا القطاع. ورأى أن الإيرادات الآتية من إعادة تنشيط الإنتاج، يجب توجيهها نحو الاستثمار في الخدمات العامة (الكهرباء والمياه والغاز والوقود)، ورفع الأجور، وتحسين كلّ ما يتعلّق بالحماية والضمان الاجتماعي (المعاشات التقاعدية، والتعليم، والصحة...).
وأخيراً، توقّع الكاتب أن يكون عام 2022 عام الانتعاش، لكن ذلك يظلّ مشروطاً بمواصلة كاراكاس قتالها ضدّ العقوبات، التي لا يبدو أن واشنطن تنوي رفعها. كما أن الدفاع عن الاستقرار السياسي ضروري للغاية لضمان الثقة اللازمة للاستثمارات، فيما يتوجّب تعديل السياسات الاقتصادية بما يتلاءم مع الوقائع المتغيّرة. وختم فاريا مقاله بالتأكيد أن «توطيد سلطة الشعب، وتقوية المنظمات الثورية مع الحزب الاشتراكي الموحّد والاتحاد المدني العسكري... شروط أساسية لمواصلة التقدّم في الانتقال إلى الاشتراكية»، مُنبّهاً في الوقت نفسه إلى أن «الدمج الكامل لهذه العوامل يعتمد أيضاً على الظروف المادية التي توفّر جهازاً إنتاجياً قوياً لتوليد الدخل من أجل التنمية الشاملة. وبهذا المعنى، فإن أهمّ استراتيجية اقتصادية تُقرّبنا من الاشتراكية لا تزال هي التصنيع... إن تعزيز رفاهية الشعب، وهو حقيقة أساسية في بناء الاشتراكية، تحدّده درجة تطوّر القوى المنتِجة. وبالتالي، فإنه من الضروري التقدّم على طريق التصنيع في البلاد».