شهدت مدينة إسطنبول التركية، بين الـ13 والـ21 من كانون الأول الحالي، حدثاً غير مسبوق في دولة مسلمة، وربّما غير مسلمة؛ إذ اجتمع في فندق «كونراد» حاخامات من دول إسلامية، تحت اسم «تحالف حاخامات الدول الإسلامية» (ARIS)، وناقشوا أوضاع اليهود في العالم الإسلامي. الاجتماع الذي عُقد بمبادرة من الحاخام الأكبر لتركيا، إسحاق هاليفا، شاركت فيه حوالى 14 دولة، تضمّ أكثريات أو أقلّيات مسلمة، فيما غاب عنه حاخامات المغرب وتونس، الذين أرسلوا تحيّاتهم عبر الإنترنت، معتذرين عن المشاركة الشخصية، بسبب قيود وباء «كورونا»، بحسب ما ذكرته صحيفة «شالوم» التركية، الناطقة باسم الجماعة اليهودية في تركيا. أمّا المحطّة الأبرز في فعّالية «تحالف الحاخامات»، الذي تأسّس عام 2019، فتمثّلت في انتقال هؤلاء، في 22 كانون الأول، من إسطنبول إلى أنقرة، بناءً على دعوة من الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي التقى بهم، وتحدّث إليهم. ووفقاً لـ«شالوم»، فقد حضر اللقاءَ مع إردوغان كلٌّ من: هاليفا، الرئيسان المشاركان للجالية اليهودية التركية إسحاق إبراهيم زاده وإرول كوهين، حاخام جماعة الأشكناز في إسطنبول مندي تشيتريك، رئيس المؤتمر العالمي ليهود الجبال عاكف جيلالوف، نائب رئيس المؤتمر اليهودي في بخارى في أوزبكستان إدي مردخاييف، الحاخام الأكبر في كوسوفو وألبانيا يوئيل كابلان، الحاخام الأكبر لأذربيجان شنور سيغال، الحاخام الأكبر لإيران يهودا جيرامي، الحاخام الأكبر في قيرغيزستان آري ريشمان، الحاخام الأكبر في كازاخستان يشايا كوهين، الحاخام الأكبر لروسيا بيريل لازار (المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين)، الحاخام الأكبر لأوغندا موشيه راسكين، الحاخام الأكبر السابق لمصر أفراهام ديان، الحاخام الإماراتي ليفي دوتشمان، الحاخام في جمهورية شمال قبرص التركية حاييم هيليل عظيموف.وبدا لافتاً أن وزير السياحة والثقافة التركي محمد نوري إرصوي، والمتحدّث باسم الرئاسة إبراهيم قالين، ومدير الاتصال في القصر الرئاسي فخر الدين ألتون، كانوا إلى جانب إردوغان خلال اللقاء الحاشد، الذي تلاه حفل غداء في «قصر بش تبه» الرئاسي، تبادل خلاله الرئيس التركي وممثّلو التحالف اليهودي، كلمات عكست ودّاً وحرارة واضحَين. واعتبر إردوغان، في كلمته، أن اجتماع الحاخامات في إسطنبول يحمل مغزى مهمّاً، مُذكّراً بأن السلطان محمد الفاتح دعا، عقب فتْح المدينة، الجاليات اليهودية المقيمة على ضفّتَي خليج القرن الذهبي، إلى الإقامة في إسطنبول لزيادة ثرائها. كذلك، أشار إلى أن الدولة العثمانية كانت ملاذاً لليهود الهاربين من محاكم التفتيش الإسبانية، في عام 1492، مؤكداً أن «الروح التي احتضنت اليهود حينها، لا تزال حيّة حتى يومنا هذا». وأضاف أن «الجهود الخارقة للديبلوماسيّين الأتراك، خلال الحرب العالمية الثانية، أنقذت أرواح الكثير من اليهود من بطش الحركة النازية». وقال إنه «مثلما نرى في الإسلاموفوبيا جريمة ضدّ الإنسانية، نرى أيضاً معاداة السامية جريمة ضدّ الإنسانية»، لافتاً إلى أن تركيا كانت من بين الدول التي شاركت في تقديم قرار إلى الأمم المتحدة، عام 2005، يَعتبر ذكرى «الهولوكوست» يوماً عالمياً. كما كانت شريكة في اتّخاذ قرار لعدم إنكار حدوث «الهولوكست»، بل إنها أصبحت، في عام 2008، عضواً في التحالف الدولي لاستذكار «المحرقة».
وتطرّق إردوغان إلى الوضع في الشرق الأوسط، حيث أعلن أن بلاده لا تريد أن تشهد هذه الجغرافيا القديمة، والتي تضمّ الأماكن المقدّسة، توتّرات وصراعات واضطرابات. وعن إسرائيل، قال إنه يولي أهمية كبيرة لتجديد الحوار مع الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، ورئيس الوزراء، نفتالي بينيت. وأكد أنه «على رغم الاختلاف في الآراء، فإن العلاقات مع إسرائيل في مجالات التجارة والاقتصاد والسياحة، تسير في طريقها»، مستدركاً بأن «موقفاً إسرائيلياً صادقاً وبنّاءً في جهود السلام، سيسهم في عملية التطبيع». واعتبر أن «العلاقات التركية - الإسرائيلية حيوية لاستقرار وأمن منطقتنا»، مُوجّهاً دعوة إلى الحاخامات لدعم تلك العلاقات، ومُبدياً استعداد بلاده لتحسينها. وبحسب صحيفة «شالوم»، فإن كلمة إردوغان تُرجمت مباشرة إلى اللغة العبرية، من قِبَل الحاخام إسحق الألوف، ثمّ ألقى حاخام تركيا إسحاق هاليفا كلمة، رأى فيها أن «حياة اليهود الآمنة في تركيا، مثال يحتذى لليهود في سائر الدول الإسلامية.» كذلك، ألقى كلماتٍ كلٌّ من حاخامات روسيا وأذربيجان وإيران، فيما قرأ الحاخام ديفيد سيفي «صلاة أرفيت»، وصلاة مبارَكة تركيا، قبل أن يقدّم هاليفا، وممثّلو الجالية اليهودية في تركيا، هدية إلى إردوغان، عبارة عن شمعدان «مينورا» اليهودي المقدّس ذي الشمعات السبع، والذي استخدمه النبي موسى لدى لجوئه إلى الجبال هرباً من الاضطهاد. كما قدّموا له شمعدان «هانوكا» ذا الشمعات التسع، من صُنع أفغاني. و«هانوكا» هو عيد الأضواء لدى اليهود، والذي يحتفلون به منذ عام 200 قبل الميلاد، لمناسبة استعادة القدس من الإمبراطورية السلوقية. وتوقّف العديد من المحلّلين أمام هذا اللقاء الفريد من نوعه؛ إذ رأى الكاتب، مراد يتكين، أن قول إردوغان: «نحن ضدّ معاداة السامية. دعونا نحارب الإسلاموفيا معاً»، معناه «(أنّنا) نريد تحسين العلاقات مع إسرائيل، نتوقّع دعمكم». وأدرج يتكين رغبة الرئيس التركي في التطبيع مع إسرائيل، في سياق التطبيع مع كلّ من مصر والإمارات، وفي إطار بحْثه عن موارد أجنبية لتحسين الاقتصاد، معتبراً «أنّنا نشهد نتائج إدارة السياسة الخارجية، بحسابات السياسة الداخلية».
أكد إردوغان أنه يولي أهمية كبيرة لتجديد الحوار مع هرتزوغ وبينيت


على خطّ موازٍ، وفي خطوة مثيرة تعكس ازدياد النفوذ الإسرائيلي في العالم الإسلامي، ذكرت صحيفة «شالوم» أن أذربيجان ستحتفل، للمرّة الأولى في تاريخها، بذكرى حصول «الهولوكست»، في 27 كانون الثاني المقبل. وجاء القرار الأذربيجاني، بعد لقاء رئيس الجمهورية إلهام علييف، مع الحاخام مارك شنور، في مطلع الشهر الحالي. كذلك، أخبر علييف، شنور، أن الدولة سوف تتولّى تمويل إنشاء «مدرسة شاباد أوهر» أفنير اليهودية في باكو، فيما اعتبر الحاخام أن الرئيس الأذربيجاني «يوجّه بهذا القرار رسالة تضامُن وتعاضُد لا مثيل لها، إلى كلّ من الجماعة اليهودية في أذربيجان، وإلى كلّ يهود العالم، وإلى دولة إسرائيل»، علماً أن باكو تحتفظ بعلاقات متطوّرة عسكرياً واقتصادياً واستخبارياً مع إسرائيل، كانت سبباً في توتّر العلاقات أخيراً بينها وبين طهران. وأضاف شنور أن «هذه اللفْتة الكريمة من الرئيس علييف تعكس نموذج حسن النيّة، وارتباطاً قلبياً كاملاً، على مستوى عالٍ تجاه يهود أذربيجان»، شاكراً علييف على جهوده في مجال «التعاون والتعايش بين الأديان». أمّا كبير حاخامات أذربيجان، شنيوار سيغال، فقد اعتبر أن «أذربيجان تحمل مفهوماً للتسامح، ليس له مثيل في أيّ دولة في العالم».