طهران | على الرغم من أن قطار محادثات إعادة إحياء «خطّة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي مع إيران) يسير ببطء، ويتوقّف كلّياً في بعض المحطّات، إلّا أنه لا يزال يتحرّك. وعلى الرغم، أيضاً، من أن رُكّابه يتذمّرون ويشكو بعضُهم من بعض، بيد أنهم متّفقون حالياً على أن يَبقوا رُكّاباً في هذا القطار، عسى أن يُوصلهم إلى وجهة مشتركة. وفي هذا السبيل، عُقدت الجولة الأخيرة من المحادثات بين إيران ومجموعة «4+1» (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين)، بمشاركة أميركية غير مباشرة، لتُفضي، على رغم كلّ التَّقلّبات التي شهدتها، إلى اتفاق الحدّ الأدنى المُتمثّل في مسودّة جدول أعمال التفاوض، على أن يبدأ المتفاوضون، اعتباراً من الجولة المقبلة، النقاش حول الموضوعات الخلافية. وتأثّرت الجولة السابعة، في مرحلتَيها، بحضور الوفد الإيراني المفاوِض الجديد، بعد تَأخُّر دام عدّة أشهر، متقدّماً بمقترحات جديدة، ومغلِقاً الباب على ما تمّ التوصّل إليه في الجولات الستّ السابقة التي جرت في أواخر عهد الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني. وبالتوازي مع ذلك، تصاعدت حِدّة الخلافات بين «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» والحكومة الإيرانية، وألقت بدورها بظلال ثقيلة على المحادثات، قبل أن يأتي الاتفاق الذي أُعلن الأسبوع الماضي على تركيب كاميرات الوكالة في منشأة تصنيع أجهزة الطرد المركزي في كرج (غربي طهران)، ليعيد تنفيس الأجواء، ويعبّد الطريق أمام مواصلة المفاوضات. وبعد كلّ ذلك الشدّ والجذب، استطاع المتفاوضون، في النهاية، التوصّل إلى إطار/ نموذج، يشمل الموضوعات التي يجب التفاوض بشأنها. وبحسب المعلومات، فإن الإطار المذكور يستند إلى ما انتهت إليه المحادثات في حزيران المقبل، كما يتضمّن بعض ملحوظات ومطالب الفريق الإيراني الجديد، الذي يبدو أن إلحاحه أفلح في إجبار الطرف المقابل على التراجع عن موقفه المتمثّل في اعتبار نتائج الجولات الستّ، حصراً، منطلقاً للتفاوض. وفيما لم يتّضح بعد موعد الجولة اللاحقة، سرت معلومات عن أنها قد تبدأ في 27 كانون الأوّل الجاري أو 3 كانون الثاني المقبل، ليبدأ معها النقاش حول الموضوعات الرئيسة، التي تمّ توزيعها على ثلاث مجموعات عمل: رفْع العقوبات، الإجراءات النووية والجدول الزمني. وفي هذا الإطار، يُظهر تمسّك إيران بضرورة رفع العقوبات بصورة عاجلة وشاملة، ووضْع آليات للتأكّد من إنهائها، وفي مقابله إصرار الأطراف الغربية على عودة الجمهوية الإسلامية سريعاً إلى القيود المنصوص عليها في اتفاق 2015، ووقْف النشاطات النووية الحسّاسة، وإنهاء القلق من تناقص «نقطة الطرد النووي»، مدى التعقيدات التي تواجهها المفاوضات، التي لم تَكُن الآمال المعقودة عليها قد تناقصت إلى الحدّ الحالي، في أيّ وقت من الأوقات، إلى درجة الحديث عن وفاة الاتفاق بالكامل. وبالنظر إلى جوهريّة الخلافات وعُمقها، فإن تحديد مهلة من بضعة أسابيع للتوصّل إلى نتيجة لا يتّسم بالواقعية. ولكن في الوقت نفسه، فإن إطالة أمد التفاوض، من دون تحديد موعد محدّد لإنجاح المحادثات وإثمارها، تجعلها نوعاً من الاستنزاف عديم الجدوى. وأيّاً يَكُن، فالظاهر أن جهود إحياء الاتفاق النووي ستمتدّ حتى عام 2022.
استطاع المتفاوضون، في النهاية، التوصّل إلى إطار/ نموذج، يشمل الموضوعات التي يجب التفاوض بشأنها


إزاء ذلك، كتبت صحيفة «كيهان»، التي يُعيَّن مديرها المسؤول من قِبَل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، في مقالها الافتتاحي يوم الإثنين، أنه «إن قَبِلت أميركا شروط ومطالب إيران القانونية والشرعية لرفع العقوبات بالكامل، فإن ذلك يعني انتصاراً باهراً للشعب الإيراني، وبِغَيره، فإن إيران، وعلى خلفية تحييد العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي، ستُواصل برنامجها النووي وترفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 60% إلى 90% في حالة الضرورة، وتتحوّل إلى قوّة نووية عالمية، وهو ما يعني هزيمة نكراء لأميركا». وأضافت الصحيفة أن «حسابات إيران في هذا المجال مكتملة، والحقيقة هي أن إيران بحاجة في الوقت الحاضر إلى رفع العقوبات فحسب، وذلك حسب شروطها لا على أساس الإملاءات الأميركية». من جهتها، اعتبرت صحيفة «ابتكار»، القريبة من التيار الإصلاحي، أنه على النقيض من الموقف الرسمي الإيراني الذي يرفض «الاتفاق المؤقّت» أو ما يُسمّى «خطوة فخطوة»، فإن «الأطراف يجب أن ترضخ في أفضل الحالات لاتفاق مؤقّت؛ لأن الوصول إلى اتفاق شامل وجامع، بحاجة إلى فرصة أكبر. إن اتفاقاً مثل هذا غيرُ ممكن في الفرصة الحالية».
بناءً على ما تَقدّم، يمكن القول إن أفق المحادثات لا يزال غير واضح المعالم، لكن الأكيد أن إنهاءها الآن سينطوي على مخاطر أكبر بالنسبة إلى الطرفين. وبالتالي، فإن مواصلتها، على رغم ما تُواجهه من عوائق، تبدو مفيدةً لكلَيهما في الوقت الحاضر. ولذا، فهي ستستمرّ في المستقبل، للسبب نفسه الذي بقيت بموجبه صامدة إلى الآن، وإن كان إحرازها تقدّماً رهن الغموض.