أعلنت الرئاسة الفرنسية أمس قبولها استقالة وزيرة العدل، كريستيان توبيرا، التي جاءت تعبيراً عن معارضتها لمشروع تعديل دستوري يسمح للسلطة بإسقاط الجنسية عن المولودين فرنسيين والحاملين لجنسيتين، والذين يثبت تورطهم في أعمال «إرهابية».
وتأتي استقالة توبيرا بعد أشهر من التردد، وفي اليوم الذي يعرض فيه رئيس الوزراء، مانويل فالس، على النواب النص النهائي لمشروع التعديل الدستوري الذي يشمل أيضاً البنود المتعلقة بحالة الطوارئ. وكتبت توبيرا في تغريدة على تويتر: «المقاومة تعني أحياناً البقاء، وأحياناً تعني الرحيل، انسجاماً مع نفسي، ومن أجل أن تكون الكلمة الفصل للأخلاقيات والقانون». وسرعان ما عُيِّن جان جاك اورفواس خلفاً لتوبيرا، وهو القريب من فالس، والمتخصص في شؤون الأمن، والذي تولى رئاسة لجنة إعداد القوانين في البرلمان الفرنسي. وقال الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، إن الحكومة تحتاج إلى «حس أخلاقي جماعي وانسجام قوي»، خلال اجتماع مجلس الوزراء يوم أمس.
وكان هولاند قد طرح التعديل الدستوري هذا أمام البرلمان، في 16 تشرين الثاني الماضي، بعد أن طالبت به المعارضة، لكن الطرح أدى إلى انقسام في أوساط الحزب الاشتراكي الحاكم، حيث اتهم البعض الرئاسة بالتمييز في معاملة المواطنين، وهي مسألة حساسة في فرنسا، حيث يوجد نحو 3.6 ملايين شخص من مزدوجي الجنسية.
توبيرا: اليسار تبنى «مقولات اليمين» في مجال الأمن

ورحب اليمين واليمين المتطرف باستقالة توبيرا، ذات الأصول الأفريقية. وقالت رئيسة الجبهة الوطنية، مارين لوبن، المعادية للهجرة، إن الاستقالة «نبأ سارّ لفرنسا»، متهمة الوزيرة بالتسبب بـ«انهيار الوضع الامني» في البلاد و«إضعاف سلطة الدولة» من خلال سياسة «متساهلة» في معاقبة الجريمة. ورأى النائب في حزب الجمهوريين، هيرفيه ماريتون، إن استقالة الوزيرة «أمر منطقي، (إذ هي) لم تعد على توافق مع الحكومة». وكانت توبيرا، منذ أشهر، على خلاف مع سياسة الرئيس، وأعربت مراراً عن معارضتها قانون التعليم، وتبني سياسة اقتصادية ليبرالية، وتبني اليسار «مقولات اليمين» في مجال الأمن. وحيّا أمس عدد من نواب اليسار توبيرا، وأثنوا على شجاعتها، وأعرب بعضهم عن أسفه لتراجع مواقع اليسار في الحكم منذ تسلّم الحزب الاشتراكي مقاليد السلطة عام 2012، وذلك خصوصاً بعد هجمات «الجهاديين» في باريس في تشرين الثاني الماضي، والتي خلقت جواً عاماً غذى اليمين المعادي للفرنسيين من ذوي الأصول العربية والأفريقية، فضلاً عن المهاجرين الجدد.
وفي السياق نفسه، أقرت الحكومة الألمانية أمس مشروع قانون يسمح بطرد مرتكبي الجرائم الأجانب، حتى وإن أُدينوا بعقوبة السجن مع وقف التنفيذ، وذلك بعد الاعتداءات التي ارتكبها مهاجرون ليلة رأس السنة الماضية في كولونيا، حيث رُفعت أكثر من ألف شكوى، منها المئات لاعتداءات جنسية، وحيث أكدت السلطات الألمانية أن معظم هذه الجنح والجرائم ارتكبها مواطنون من دول عربية، بينهم طالبو لجوء. ويمكن شخصاً حائزاً حق اللجوء أن يُحرمَه، بحسب مشروع القانون الذي أُعلنت خطوطه العريضة في 12 من الشهر الجاري.
ورأت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن «المخاوف من هجمات إرهابية والتأثير المحتمل لتدفق المهاجرين أديا إلى تراجع ملحوظ لحقوق الإنسان في أوروبا ومناطق أخرى» في العام الماضي، وفقاً لدراسة نشرتها المنظمة أمس، وأعلن أبرز نتائجها وخلاصتها مدير المنظمة، كينيث روث. وبحسب المنظمة، فإن إجراءات كان أبرزها موافقة النواب الفرنسيين على تمديد حالة الطوارئ وتعزيز صلاحيات القوى الأمنية في تنفيذ المداهمات وفرض الإقامة الجبرية عند مجرد الشبهة، ودون إشراف القضاء، «تثير قلقاً» على حرية التنقل والتجمع والتعبير. وأبدت المنظمة أيضاً قلقها على الوسائل التي تلجأ إليها الشرطة الفرنسية حين تشتبه في الأفراد بناءً على «مظهر الشبان المسلمين» خاصة، متحدثة عن «إسلاموفوبيا صارخة وإلصاق طابع شرير باللاجئين» في الولايات المتحدة أيضاً.
ورأى روث أن «قلق أوروبا حيال اللاجئين الجدد، بوصفهم تهديداً إرهابياً، هو بمثابة عامل مسهّل خطير للتطرف (الأوروبي) العنيف، لأن مهاجمي باريس هم في غالبيتهم مواطنون بلجيكيون وفرنسيون»، مؤكداً أن «التهميش الكامل» في الضواحي الأوروبية هو أحد أسباب التطرف. وتابع مدير «هيومن رايتس ووتش» قائلاً إنه بتحويل المسلمين واللاجئين إلى «كبش فداء»، فإن الدول الغربية مهددة «التخلي عن الحكمة» وعن «مجموعات لها دور أساسي في جهودها لمكافحة الإرهاب». ودعا روث إلى «بديل أكثر إنسانية» لمنع موت المهاجرين غرقاً في المتوسط، وذلك عبر زيادة عدد التأشيرات الممنوحة في لبنان وسوريا وباكستان وأفغانستان خاصة.

(الأخبار، أ ف ب، رويترز)