طهران | في الوقت الذي تسير فيه محادثات إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا ببطء، من دون إحراز أيّ تقدّم يُذكر، توصّلت إيران و«الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» إلى اتفاق بشأن أحد أهمّ المواضيع الخلافية بينهما، والمتمثّل في استبدال كاميرات المراقبة في مجمع كرج لإنتاج أجهزة الطرد المركزي. اتفاقٌ قد يسهم في خفْض حدّة التصعيد الطاغي على أجواء المحادثات، كما قد يحول دون تنفيذ الأطراف الغربية تهديداتها باستصدار قرار ضدّ طهران، في الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة. وكان الخلاف المذكور قد برز في حزيران الماضي، بعد الهجوم الذي تعرّضت له «شركة تكنولوجيا إيران لأجهزة الطرد المركزي» (تِسا) في كرج غربي طهران، والذي حمّلت إيران، إسرائيل، المسؤولية عنه، قبل أن تعْمد إلى منْع المفتشين الدوليين من استبدال الكاميرات المتضرّرة هناك - على رغم وجود اتّفاق على ذلك أُبرم بين الطرفَين في 13 أيلول -، بمُبرّر التحقيقات والتحرّيات القضائية. والجدير ذكره، هنا، أنه تأسيساً على اتفاق أيلول المذكور، وقَبْله تعليق إيران تنفيذ البروتوكول الإضافي الملحَق بـ«خطّة العمل المشتركة الشاملة»، فقد امتنعت طهران عن تسليم «الطاقة الذرّية» البيانات التي تسجّلها الكاميرات ومعدّات المراقبة، بصورة مؤقّتة، إلى أن يتمّ التوصّل إلى نتيجة في ما يخصّ إعادة إحياء الاتفاق النووي.
يُعدّ الاتفاق على تركيب «الطاقة الذرّية» كاميرات في مجمع كرج النووي خطوة مهمّة (أ ف ب )

إجراء تكتيكي
ويُعدّ الاتفاق على تركيب «الطاقة الذرّية» كاميرات في مجمع كرج النووي، خطوة مهمّة، وفقاً لتأكيدات المدير العام للوكالة، على اعتبار أن الأخيرة ستتفادى، بذلك، وجود «نقطة عمياء»، في إطار عمليات التفتيش التي تنفّذها في إيران.
وبناءً عليه، فإن هذه الخطوة قد تنعكس إيجاباً على محادثات فيينا، فضلاً عن أنها ستُحرّر يد المفاوضين الإيرانيين بشكل أكبر، بالنظر إلى أنها ستُبطل أيّ مزاعم بهذا الشأن ضدّ طهران. وفي السياق، تَعتبر الصحافية المتخصّصة في القضايا الدولية في إيران، ثمانة أكوان، أن الاتفاق الجديد يمثّل «محاولة من جانب إيران لإظهار حسن نيّاتها للعالم، تزامناً مع محادثات فيينا، وكذلك لتعزيز ارتباطها وتواصلها مع روسيا والصين». وقالت أكوان، في حديث إلى «الأخبار»، إنه «في الوقت الذي تَحوّلت فيه محادثات فيينا إلى ثُنائية القطب بشدّة - حيث تشكّل إيران أحد هذَين القطبين، بينما تشكّل الدول الأوروبية، بالنيابة عن الولايات المتحدة، الطرف الآخر - سعت طهران، من خلال الاتفاق مع الوكالة، إلى استمالة موسكو وبكين»، مضيفة أن «الدول الغربية، ووسائل الإعلام التابعة لها، تسعى إلى المساس بالعلاقات بين إيران من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى». وإذ أشارت إلى أن «هاتَين الدولتَين أظهرتا أنهما لا تجاريان السياسات الغربية في المحادثات»، إلّا أنها لفتت إلى أن «أحد مطالبهما، في الوقت ذاته، يتمثّل في أن يخضع البرنامج النووي الإيراني للإشراف والمراقبة». وعليه، فإن «إيران، وفي ظلّ تعزيز التعاون مع الوكالة، تكون أيضاً بصدد ترسيخ تعاونها وتواصلها مع الطرفَين الروسي والصيني، في مقابل الأطراف الغربية». من جهته، يرى الباحث والمتخصّص في الشأن النووي الإيراني، هادي خسرو شاهين، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الاتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، له طابع تكتيكي»، موضحاً أن طهران تهدف من ورائه إلى «تحييد التُّهم الغربية ضدّها في ما يتعلّق بعدم تعاونها مع الوكالة، بشأن برنامجها النووي»، و«بالتالي إزالة الحجج القانونية الرامية إلى نقل ملفّها من مجلس محافظي الوكالة الدولية إلى مجلس الأمن».

مسار صعب
على رغم أن الاتفاق الأخير يمكن أن يقلّص مساحة التصعيد في إطار محادثات فيينا، ويحول دون استصدار قرارٍ ضدّ إيران في الاجتماع المقبل لمجلس محافظي «الطاقة الذرّية»، إلّا أنه من المستبعد أن يسهم، بشكل كبير، في تذليل العقبات وتسوية الخلافات. وخلال الأسابيع الأخيرة، لم تُحقّق مفاوضات فيينا تقدّماً ملموساً، بسبب الخلافات التي لا تزال قائمة بين إيران والأطراف الغربية، التي اعتبرت الاقتراحات الإيرانية «مخيّبة للآمال»، مهدّدة بممارسة مزيد من الضغوط على طهران، فيما حمّلتها هذه الأخيرة، مسؤولية تباطؤ المحادثات. ويقول هادي خسرو شاهين، في هذا الخصوص، إن «طهران لا ترى أن ثمّة تناقضاً بين تعاونها التكتيكي هذا، ومطالبها الشاملة في المحادثات»، مضيفاً أن إيران «ترى أن تعاوناً تكتيكياً كهذا، يمكن أن يطيل أمد المحادثات، لجهة الحصول على الحدّ الأقصى من التنازلات، وفي الوقت ذاته، يُفسح المجال أمام إرجاء اللعبة الغربية الكبرى ضدّها». ويشير إلى أن «التقدّم بلا عودة في البرنامج النووي الإيراني خلال الأشهر الأخيرة، ومحاولات الغرب جرّ طهران إلى طاولة المفاوضات في مواضيع أخرى، من بينها الصواريخ والمُسيّرات والملفّات الإقليمية، واحتمال تكرار الانسحاب الأميركي من الاتفاق، كلّها أمور تشكّل العقبات الرئيسة التي تعترض توصّل الطرفَين إلى اتفاق». بناءً عليه، يَتوقّع أن «نشهد في مستقبل قريب، عهداً من التصعيد والتوتّر المتزايدَين في العلاقة بين طهران والغرب، وذلك في ظلّ اشتداد حدّة الخلافات، والتباينات الملموسة في التوقّعات المتبادلة». وفي خضمّ كلّ ذلك، يخلص إلى أنه «سيكون من الطبيعي جدّاً أن تستخدم أميركا والغرب، كما إيران، الحدّ الأقصى من أدواتها لممارسة الضغط على الطرف المقابل».