طهران | يبدو أن الجولة الحالية من المفاوضات النووية المنعقدة في فيينا ستكون حاسمة في تقرير اتّجاه الأمور مستقبلاً؛ إمّا نحو انفراجة تتيح وضع أرضية لإحياء الاتفاق، وإمّا نحو تصعيد لا يمكن لأحد التنبّؤ من اليوم بما قد يؤول إليه. وعلى رغم أن الساعات الماضية حملت بعض الإشارات الإيجابية لناحية قبول الطرف الغربي دراسة المقترحات الإيرانية، إلّا أن عودة الأوروبيين، ومِن خَلفهم الأميركيون، إلى التهديد بتحويل الملفّ إلى مجلس الأمن الدولي، ما لم تستجب إيران لمطالبهم بخصوص مسار تطوّرها النووي، خلال مُهلة أيام، تشي بأن دون التوصّل إلى تفاهم صعوباتٍ بالغة، قد تؤدّي إلى إطاحة هذه الجولة من أساسها
بات من الواضح، من خلال ردود الفعل المتتالية الصادرة عن الأطراف الغربية، أن المقترحات التي قدّمتها إيران، الأسبوع الماضي، أثناء مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي في فيينا، قد ألقت بظلالها على الجولة الحالية من المحادثات، والتي استُؤنفت قبل يومين. وكان الطرف الإيراني تقدَّم باقتراحَين اثنين: يدعو الأوّل إلى رفع العقوبات (الالتزامات الأميركية)، بينما يدور الثاني حول الإجراءات النووية (الالتزامات الإيرانية). ويبحث الخبراء حالياً هذَين الاقتراحَين، ضمن مجموعتَي عمل، على أن يُتّخذ القرار بشأنهما، إن اقتضت الضرورة، في اجتماع المفاوِضين الرئيسيّين. ويأتي ذلك بعدما كانت الأطراف الأوروبية، ومعها الولايات المتحدة، اعتبرت الطرح الإيراني «غير مقبول». وفي هذا السياق، تُفيد معلومات «الأخبار» بأن الاقتراحَين المذكورَين «هما في الحقيقة نسخة معدّلة ومتحوّرة من نتائج ستّ جولات من المحادثات السابقة، جرت خلال الأشهر الأخيرة من عهد الرئيس السابق حسن روحاني»، مضيفة أنهما «مبنيّان على فكرة أن تقوم أميركا، كخطوة أولى، برفع العقوبات عن إيران، وأن تعود إلى التزاماتها في الاتفاق النووي، ومن ثمّ تستأنف إيران التزاماتها النووية».
من جهته، يلفت مصدر دبلوماسي مطّلع، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الفريق الإيراني المفاوِض الجديد، وعلى النقيض من وجهة نظر الأوروبيين والأميركيين، يرى أنه بما أن نتائج الجولات الستّ السابقة لم تحظَ بالقبول النهائي، فقد باتت غير مُلزمة»، مستدركاً بأن «الفريق الإيراني درس تلك النتائج بوصفها مسودّة، وأدخل عليها تعديلات، وعرضها على الطرف الآخر». ويضيف أنه «من الطبيعي أن يكون الطرف الإيراني قد ضمّن هذه الاقتراحات، ملاحظاته ومطالبه القصوى، وهو ينتظر ردّ الأطراف الأخرى عليها، وجاهزٌ للمساومة بشأن محتواها، بهدف التوصّل إلى الاتفاق النهائي»، مؤكداً أن «طهران جاهزة لدراسة مقترحات أخرى، إلى أن يتمّ في النهاية التوصّل إلى قاسم مشترك». لكنّ المصدر ينبّه إلى أن «موضوع الاتفاق المؤقت، أو الخطوة خطوة، الذي يتداوله الطرف الغربي في المحادثات، يُعدّ، من وجهة النظر الإيرانية، خدعة تهدف إلى جعل المحادثات استنزافية»، جازماً أن «هكذا مسألة، غير مُدرجة على جدول أعمال طهران»، مشدّداً على أن «هذه المحادثات يجب أن تؤدّي، بصورة نهائية، ودفعة واحدة، إلى رفعٍ كامل للعقوبات، وفي المقابل، ستعود طهران إلى العمل بالتزاماتها النووية». وكانت وكالة «رويترز» ذكرت، أمس، أن إيران «أبدت استعدادها للعمل على أساس نصوص مسودّات، تمّ التوصّل إليها في حزيران الماضي». إلّا أن مصادر قريبة من الوفد الإيراني نفت هذا الأمر، وأكدت أن «المقترحات الإيرانية لا تزال على الطاولة».
يريد الفريق الإيراني المفاوِض التخلّص من عبء الضغوط والتُّهم التي توجّهها إليه الأطراف الغربية


ويبدو أن الفريق الإيراني المفاوِض يستهدف، من خلال اقتراحاته الأخيرة، أمرَين: أوّلهما، أن يتخلّص من عبء الضغوط والتُّهم التي توجّهها إليه الأطراف الغربية، بدعوى معارضته إحياء الاتفاق، وبالتالي أن يرمي بالكرة في ملعب الطرف الآخر؛ أمّا الهدف الثاني، فيتمثّل في توجيه المحادثات إلى مسار جديد ومختلف عن السابق، ليتمكّن بذلك من الإفادة من أوراقه، التي يُعدّ أهمّها الاقتراب من مرحلة الطرد النووي، ولينتزع المزيد من التنازلات والضمانات. إلّا أن الأطراف الأوروبية، ومعها الولايات المتحدة، لا تبدو جاهزة لقبول المطالب الإيرانية بسهولة، بل هي بصدد تصعيد ضغوطها وتهديداتها على إيران، بالتزامن مع استمرار المفاوضات. وفي هذا الإطار، تُفيد معلومات «الأخبار» بأن الأوروبيين أبلغوا الجانب الإيراني، خلال المحادثات، بأنه «إن لم يكن جاهزاً، قبل انعقاد الاجتماع المقبل للوكالة الدولية للطاقة الذرّية بعد بضعة أيام، لوضع نهاية لمسار خفض التزاماته في الاتفاق النووي، وخفض مستوى التفتيش، فإنّه سيقوم بالتنسيق مع واشنطن، بالعمل على استصدار قرار ضدّ طهران في مجلس محافظي الوكالة، والتمهيد لإرسال الملفّ النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي».
ويأتي التهديد الأوروبي بينما ظهرت مؤشّرات إلى نيّة إيرانية لرفع مستوى التعاون مع الوكالة؛ إذ كتب موقع «نورنيوز»، القريب من المجلس الأعلى للأمن القومي، أوّل من أمس، أنه «نظراً إلى عدم استكمال المحادثات بين إيران والوكالة الدولية بشأن المواضيع الجارية، والتي كانت قد بدأت خلال الزيارة الأخيرة لرافاييل غروسي إلى طهران، فإن تدابير جديدة اتُّخذت من قِبَل مؤسسة الطاقة الذرّية الإيرانية، تهدف إلى إحباط مفعول الإجراءات المُغرضة، فضلاً عن استكمال مسار الدبلوماسية الإيرانية الفعّالة في الظروف الجديدة». وفي هذا السياق، يبدو أن زيارة مندوبي الوكالة لمركز تصنيع أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة في كرج، وكذلك تركيب كاميرات في المنشآت النووية، يشكّلان مسألتَين تسعى إيران، من خلالهما، إلى تقليص خلافاتها مع المنظّمة الدولية. في المقابل، بات من الواضح أن أحد الإجراءات التي تنوي الأطراف المقابِلة لإيران اتّخاذها، بالتشاور مع الدول التي كانت طهران تستفيد من إمكاناتها وطاقاتها في ظروف الحظر، يتمثّل في تشديد العقوبات، وجعل التبادل الاقتصادي أكثر صعوبة، وفق ما أنبأ به إعلان وزارة الخارجية الأميركية، أخيراً، أن إدارة جو بايدن تتّجه، من خلال إيفاد وفد رفيع المستوى إلى الإمارات الأسبوع المقبل، نحو تضييق الحصار على الجمهورية الإسلامية.