طهران | للمرّة الأولى خلال السنوات الخمس الأخيرة، يزور أحد كبار مسؤولي الإمارات، إيران. مستشارُ الأمن الوطني، طحنون بن زايد، وصل إلى طهران، أمس، بدعوة رسمية من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، حيث أجرى محادثات مع المسؤولين الإيرانيين، في مقدّمهم الرئيس إبراهيم رئيسي. وخلال اللقاء، أكّد رئيسي أن «العلاقات الجيّدة مع دول الجوار مُدرجة على سلّم أولويات الحكومة الإيرانية الجديدة»، مضيفاً أنه «انطلاقاً من هذا المبدأ، نرحّب بتوسيع العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة». ومن جانبه، اعتبر طحنون أن «هذا اللقاء سيكون نقطة تحوّل في العلاقات بين البلدين». ونقل موقع الرئاسة الإيرانية عنه قوله: «نأمل في أن يبدأ فصل جديد في العلاقات بين البلدين، مع زيارة آية الله رئيسي لدولة الإمارات». أمّا شمخاني، فقد شدّد، خلاله لقائه المسؤول الإماراتي، على «ضرورة عدم تأثُّر دول المنطقة بالتدخّلات الخارجية». وقال: «يجب اعتماد الحوار والتفاهم بدل الاعتماد على النهج العسكري لحلّ الخلافات». وهو ما ردّ عليه طحنون بالتأكيد أن «تعزيز العلاقات الودّية والأخوية بين أبو ظبي وطهران، يُعدّ من أولويات الإمارات». ونبّه إلى أن «من الضروري التعرّف إلى العناصر التي تعيق تعزيز العلاقات بين البلدين، وإزالتها من خلال تشكيل مجموعات عمل متخصّصة، ولا سيما في مجال التعاون الاقتصادي».
مسارٌ جدید
وتأتي زيارة طحنون لطهران، استكمالاً للانفراجة المُسجّلة أخيراً على خطّ العلاقات بين البلدَين. وكانت أبو ظبي قرّرت عام 2016، في أعقاب انقطاع التواصل الدبلوماسي بين إيران والسعودية، خفْض اتّصالاتها الدبلوماسية مع طهران، الأمر الذي أدّى إلى توتّر العلاقات مع الأخيرة، إلّا أن الأشهر الماضية عادت وشهدت تحرّكات من قبل الطرفَين في اتّجاه إدارة الخلافات، في الحدّ الأدنى. وتُبدي إدارة رئيسي، في إطار سياسة التقارُب مع دول الجوار، حرصاً على خفض التصعيد إزاء دولٍ عدّة، بما فيها السعودية والإمارات، فيما تنحو أبو ظبي نحو إنهاء توجّهاتها الفاشلة في السنوات الفائتة، سعياً منها لاعتماد نهج جديد، وهو ما يندرج في إحياء العلاقات مع دمشق وأنقرة والدوحة، في إطاره. ومن هذا المنطلق أيضاً، جاءت زيارة طحنون لطهران، بعد زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، والمسؤول الجديد في الفريق النووي المفاوض، علي باقري كني، لأبو ظبي، أواخر الشهر الماضي، حيث التقى المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش. وقبل زيارة باقري كني، كان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قد أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإماراتي، عبدالله بن زايد آل نهيان. كما التقى رئيس وزراء الإمارات، محمد بن راشد آل مكتوم، في آب الماضي، على هامش مؤتمر بغداد. وسبق ذلك حضورُ وفد إماراتي، برئاسة «وزير التسامح والتعايش»، نهيان بن مبارك آل نهيان، حفْل تنصيب رئيسي، ولقاؤه بالأخير.
تُبدي إدارة رئيسي حرصاً على خفض التصعيد مع دولٍ عدّة بما فيها السعودية والإمارات


تداعیات محتملة
يرى الصحافي والباحث في «مركز الشرق الأوسط للبحوث العلمية والدراسات الاستراتيجية»، كامران كرمي، أن هذه الزيارة تمهّد لإعادة فتح سفارتَي البلدين، وزيادة حجم التجارة والترانزيت بينهما، معتبراً أنها تشكّل منعطفاً في العلاقات الثنائية، على وجه الخصوص، والعلاقات الإيرانية - العربية والإقليمية، عموماً. ويشير كرمي، في حديث إلى «الأخبار»، إلى الزيارة الأخيرة لباقري كني إلى الإمارات، وزيارة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى تركيا، معتبراً أن «تزامن هذَين التطوّرَين يجب تقييمه في إطار تعزيز مسار ترانزيت الإمارات - إيران - تركيا، والذي يُستكمل بحثه خلال زيارة طحنون لطهران، بما يعطي دفعاً لعملية الانفراج ويحرّكها إلى الأمام». كذلك، يَعتقد كرمي أن تقارُب الإمارات وإيران يمكن أن يؤثّر إيجاباً على مسار الحوار بين الأخيرة والسعودية، مضيفاً أنه «في حال أفضت المحادثات النووية إلى إحياء الاتفاق النووي، فستسهم بشكل كبير في تعزيز الانفراج في المنطقة»، مستدركاً بأن «الفشل المحتمل لتلك المحادثات، يمكن أن يعرقل الحوار الإقليمي بين إيران من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى». وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت الحركة الدبلوماسية المستجدّة ستساهم في إرساء نموذج أمني متّزن في المنطقة، يجيب بأن «مسارات الانفراج هي في الظروف الحالية، ثنائية، وعلى مستوى إدارة التصعيد، ولا تبدو أنها تملك آفاقاً لتتحوّل إلى محادثات إقليمية في إطار الأمن الجماعي»، محذراً من أنه «في حال لم تتحوّل حقبة الانفراج الحالية إلى إطار للمحادثات الإقليمية الشاملة، فإن الأرضية ستتهيّأ للعودة إلى أجواء التصعيد، وذلك من دخول متغيّرات مشاكسة على الخط».