طهران | انتهى، أمس، الشوط الأول من جولة المفاوضات النووية الجديدة، بين إيران و»مجموعة 1+4» (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا + ألمانيا) في فيينا، بالتعادل السلبي. إلّا أن ذلك لم يمنع الجانب الغربي، وخصوصاً الأميركي، من الاستفادة منه لامتصاص الصدمة التي خلّفها الأداء الهجومي والتكتيكي للوفد الإيراني، الذي نزل في فندق بالايس كوبورغ، بفريق متخصّص في عدّة مجالات. وفي هذا السياق، أفاد مصدر مطّلع على المحادثات بأن «المفاوضات لم تكن إيجابية ولا سلبية»، مضيفاً إنّها «كانت بين بين».وقبيل بدء الجولة الجديدة، كان الجانب الغربي حريصاً على تطبيق خطّة «إلقاء اللوم» على إيران، والترويج لكون طهران لا ترغب في المجيء إلى طاولة المفاوضات، طمعاً في شراء الوقت لتطوير برنامجها النووي. كذلك، حاول الطرف الغربي أن يظهّر الجانب الإيراني كأنّه الفريق الخاسر مسبقاً، لأنّه هو الذي يبالغ في مطالبه ولا يريد العودة إلى التزاماته، وفق الاتفاق النووي. وعلى هذا الصعيد، قال المبعوث الأميركي المكلّف بالملف النووي الإيراني، روبرت مالي، أواخر الشهر الماضي، إن سلوك طهران «لا يبشّر بالخير بالنسبة إلى المحادثات»، متّهماً إياها بالمماطلة والتقدّم في برنامجها، بشكل يقرّبها بدرجة كبيرة من مرحلة تطوير قنبلة نووية.
إلّا أنّ إيران واجهت هذا التكتيك بخطّة مضادّة، وهو ما ولّد إرباكاً لدى الجانبَين الأوروبي والأميركي في فيينا، حيث طلبت الترويكا الأوروبية، مرّات عدّة، السماح بالرجوع إلى العواصم، أو التشاور مع الوفد الأميركي، على اعتبار أنّ نظيره الإيراني حضر بأيدٍ ملأى لم تكن في الحسبان، بينما زوّد نفسه باختصاصيين في السياسة والاقتصاد والشؤون المصرفية والنفطية والقانون الدولي والعقوبات. وعقب ذلك، قام الفريق الإيراني بحركته الهجومية، عبر وضع وثيقتَين على طاولة المفاوضات، تتعلّقان بإلغاء الحظر والالتزامات النووية، فيما أفيد بأن لديه وثيقة ثالثة من المقرّر أن يقدّمها، بعد دراسة إجابات الجانبين الأوروبي والأميركي على مقترحاته ضمن الوثيقتين الأولى والثانية.
ولّد التكتيك الإيراني إرباكاً لدى الجانبَين الأوروبي والأميركي في فيينا


وفي هذا السياق، قال كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، عقب اجتماع لجنة التنسيق المشتركة للاتفاق النووي، إن «المقترحات الإيرانية بشأن إلغاء الحظر والقضايا النووية، مطروحة على الطاولة»، مضيفاً إن «الأطراف الأخرى ارتأت ضرورة التشاور في العواصم». كذلك، أفادت مصادر «الأخبار» بأن «باقري شدّد في حديثه إلى الوفود الغربية، على أنه لا يمكن أن تستمرّ العقوبات، بينما تطالبون بعودة واشنطن إلى الاتفاق». وأشارت المصادر إلى أن «هذا المضمون مثّل محور مواقف باقري كني خلال الأيام القليلة الماضية». وكان المسؤول الإيراني قد أوضح، أول من أمس، أن المقترحات الإيرانية تستند إلى بنود في اتفاقية عام 2015، وبالتالي لا يمكن دحضها من جانب القوى الغربية. ثمّ أعلن، أمس، أنه «بناءً على ذلك، أتيحت للطرف الآخر فرصة استئناف المحادثات في فيينا، الأسبوع المقبل، بعد التشاور في عواصمهم، لفترة وجيزة».
في هذه الأثناء، عمدت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها موقع «واللا»، إلى الترويج لـ»تسريبات» تتحدث عن أن الوفود الغربية رفضت المقترحات الإيرانية، خلال اجتماع يوم أمس، وسترفضها بشكل كامل خلال الجولة المقبلة، بعد التشاور مع العواصم. وردّاً على ذلك، قال الخبير السياسي الإيراني، هادي محمدي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «ردّ الفعل الأولي للجانب الغربي، الذي نستشفّه من خلال وسائل إعلامه، يأتي في إطار تكتيك المرحلة الأولى، وهو إظهار أن إيران هي السبب الرئيسي في فشل المفاوضات، وهي ليست مستعدة للعودة إلى التزاماتها الواردة في اتفاق عام 2015». وأشار محمدي إلى أن «واشنطن تسعى إلى خلق مناخ سلبي ضد إيران، الأمر الذي بدأت به قبيل بدء المفاوضات وواصلته خلال المحادثات، وستستمر فيه حتى الأسبوع المقبل، بالتزامن مع عودة الوفود إلى فيينا، وذلك كي تشكّل أداة ضغط على الوفد الإيراني، بهدف إبعاده عن مطالبه بشأن إلغاء العقوبات كافةً، وفق اتفاق عام 2015». ورأى محمدي، في هذا المجال، أن «الجانب الأميركي لديه سيناريو محدّد»، موضحاً أن «واشنطن لن تعود إلى الاتفاق النووي، وليست مستعدة لإلغاء العقوبات، إلّا إذا قبلت طهران بإلغاء جزئي للحظر، وأعطت الحدّ الأقصى من التنازلات، علاوة على عودتها إلى التزاماتها كافةً، وفق الاتفاق النووي».