أديس أبابا | يوماً بعد يوم، يزداد المشهد في إثيوبيا تعقيداً، في ظلّ غياب أيّ وساطة قادرة على تهدئة الوضع العسكري الآخذ في التصاعد. وبينما تُواصل «جبهة تحرير تيغراي» تقدّمها - الذي تباطأ أخيراً - باتجاه العاصمة أديس أبابا، التي أصبحت على بُعد 220 كيلومتراً منها، أكّد رئيس الوزراء، آبي أحمد، أن قواته «ستُدمّر» متمرّدي الإقليم، مشدّداً على أنه «لا عودة من الحرب دون الانتصار»، في مواقف أطلقها أثناء ظهوره على الخطوط الأمامية للقتال. ظهورٌ يعتقد المحلّل السياسي، عبد الله راغي، أنّه يشي بأن «مسار الصراع على الأرض يتغيّر وبشكل حاسم»، مضيفاً أنه تصبّ في ذلك أيضاً «صفقات السلاح المرصودة حديثاً بين الحكومة الإثيوبية وأطراف كروسيا وفرنسا و إيطاليا وإسرائيل وإيران وسلوفاكيا»، معتبراً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «دخول الطائرات المُسيّرة الإماراتية والصينية والإيرانية الصُنع ساحة المعركة، هو ما ساهم في تراجع زخم القتال». في المقابل، برزت أنباء عن عثور مقاتلي «تيغراي» على بقايا قنابل تركية مُوجّهة بـ«اللايزر»، وهو ما يُعيد إلى الأذهان اتفاقية الدفاع المشترك المُوقّعة بين إثيوبيا وتركيا عام 2021. وفي هذا الإطار، يلفت المحلّل في شؤون القرن الأفريقي، زكريا آدم يوسف، إلى أن «تركيا تُعدّ ثاني أكبر مستثمر في البلاد بعد الصين، والمساهمة التركية في تسليح الجيش الإثيوبي معروفة، وبالتالي فإنه من المؤكّد أن يلجأ الجيش لاستخدام الطائرة المسيّرة بيرقدار وAnka-S المُسيّرة، خصوصاً الأولى التي حسمت الصراع في النزاع الأرميني - الآذربيجاني، والذي حدث في ظروف طبوغرافية مقاربة للحرب الإثيوبية»، كما يقول يوسف لـ«الأخبار».وفي خلفية ذلك، يعتقد المحلّل نفسه أن شركاء إثيوبيا الاقتصاديّين والسياسيّين - كالصين وتركيا والهند وروسيا والإمارات والسعودية -، والذين استثمروا فيها مليارات الدولارات على مدى سنوات طويلة، يرون أن «الفوضى في هذا البلد تعني خسائر اقتصادية هائلة لا يمكن تحمّلها حالياً». ولذا، فهم «يبذلون جهوداً متزايدة لضمان ثبات نظام حُكم أبي أحمد ما يكفي من الوقت للوصول إلى حلّ ما للصراع المتصاعد»، خصوصاً في ظلّ الموقف الغربي «الميّال إلى تقريع الحكومة الإثيوبية، وتشجيع الأطراف الناقمة عليها، وهو ما تَجلّى في احتضان واشنطن لاجتماع قوى المعارضة، والذي أنتج ائتلافاً يدّعي أن الصراع في البلاد سياسي»، بحسب ما يرى يوسف. وكان أُعلن، مطلع الشهر الحالي، في واشنطن، عن «الجبهة المتّحدة للقوات الفيدرالية الإثيوبية»، والتي تضمّ كلّاً من «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، و«جيش تحرير أورومو»، و«جبهة عفار الثورية الديموقراطية للوحدة الديموقراطية»، و«حركة مقاومة الدولة الصومالية»، و«جبهة تحرير غامبيلا». والظاهر أن «تحرير تيغراي» و«تحرير أورومو» استهدفتا، من خلال تلك المظلّة، توسيع دائرة التمرّد، بحيث تجد القوميات الرئيسة في البلاد، ما عدا قومية أمهرة المؤيّدة لرئيس الوزراء، تمثيلاً يغري ساستها المؤثرين الذين استُثنوا من كعكة السلطة أخيراً، للانضمام - ولو معنوياً - إلى المعركة بوجه الحكومة، بما يضمن لهم لاحقاً حصة لدى إعادة تقسيم السلطة في حال نجاح إسقاط السلطة الحالية ومشاريعها.
ثمّة مؤشّرات إلى دخول عنصر الطائرات المسيّرة على خطّ المعارك الدائرة


على أن جهود الجبهتَين المذكورتَين، لم تَحُل دون تصاعُد الصراع بين القوميات، في ظلّ حالة الاحتقان التي تعيشها البلاد. وفي هذا السياق، يقول الناشط ميكاييل غيتاشو، من أديس أبابا، إن «الاشتباكات المسلّحة بين الأطراف المتعدّدة لا تنحصر فقط بمسرح القتال المتقدّم باتجاه العاصمة أديس أبابا، بل تشهد مناطق كإقليمَي عفر وأمهرة، أعمالاً حربية بين قوات الإقليمَين وقوات تيغراي والقوات الحكومية». ويُضيف غيتاشو، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المعارك تتصاعد وأصبح المدنيّون من القوميات الثلاث ضحيّتها»، لافتاً إلى أن «الحملات الإعلامية المتضادّة ما بين أطراف النزاع تغذّي حالة من الاحتقان العرقي، الذي ينذر بانفلات الأوضاع من الصراع المنظّم بين كيانات سياسية محدّدة وذات قيادات واضحة، إلى مرحلة من الفوضى التي قد تجعل الجميع يَستهدف الجميع في كلّ مكان». ويتجلّى القلق من الانفلات الأمني في تسارع الدعوات إلى إجلاء الأجانب، خاصة مع تسريب وثيقة داخلية خاصة بموظّفي الأمم المتحدة في أديس أبابا تحضّ «على إجلاء أفراد عائلات الموظّفين الدوليّين بحلول 25 تشرين الثاني».
وفي الاتّجاه نفسه، يحذّر مراقبون من انزلاق إثيوبيا إلى فوضى عارمة، خصوصاً في ظلّ كثرة الأقاليم المتنافسة، والأجنحة المتعارضة ضمن الأقاليم نفسها، ما بين طموح في الحصول على حصّة أكبر من السلطة والثروة، وبين تطلّع أكثر تطرّفاً إلى تحقيق الاستقلال الكلّي عن الدولة، كما هو حاصل في إقليمَي تيغراي والصومال. وفي هذا السياق، يرى الباحث عبد الله بورو هلخي أن جهود رئيس الوزراء لإعادة مركزية الدولة، وتفكيك الاتحاد متعدّد الأعراق الذي تأسّس في دستور عام 1995، وذلك باسم «الوحدة الوطنية»، «جعلت إثيوبيا مرّة أخرى مركزاً لعدم الاستقرار والصراع في القرن الأفريقي»، معتبراً في تصريح إلى «الأخبار» أن «دفْع آبي أحمد من أجل الوحدة سيُحقّق العكس تماماً، ويؤدّي بالبلاد إلى التفكّك».

تضرّر الاقتصاد
أرخى الصراع العسكري بظلاله على الاقتصاد الإثيوبي، ووصل تأثيره إلى المواطن العادي. وفي هذا المجال، يفيد يوسف بأن «حرب تيغراي، حسب تقديرات متفاوتة، كلّفت ما بين مليار ونصف مليار ومليارَي دولار». ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه في ظلّ الحرب التي طال أمدها أكثر من المتوقّع، «ارتفعت نسب التضخّم، وترافق ذلك مع تراجع قيمة العملة بـ50% إثر قرارات حكومية مرتجلة»، محذّراً من أن «تراجع إنتاج المحاصيل الغذائية ينذر بغلاء كبير، إضافة إلى تأثيرات جائحة كورونا التي أضعفت القطاع السياحي في البلاد، وانتشار البطالة». ويتابع: «حتى إن تمكّن أحد الطرفَين من حسم الصراع في ساحة القتال، وذلك أمر مستبعد تماماً على المدى المنظور، فإن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيؤدي إلى تفاقم عوامل عدم الاستقرار في البلاد». وفي ظلّ هذه الظروف، لا يستبعد حدوث موجات لجوء ونزوح «تنطلق في الاتجاهات الأربعة، وتؤدي إلى الضغط على مناطق إقليمية مجاورة وأخرى أبعد كالجزيرة العربية وجنوب أفريقيا وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي، مع إمكانية احتضان التراب الإثيوبي لأنشطة وحركات مسلّحة يمكنها زعزعة الاستقرار في الدول الأفريقية المحاذية، والتي تشترك مع إثيوبيا في مكوّناتها البشرية العابرة للحدود».