دفع حدثان، خلال الأسبوعين الماضيين، إلى رفع منسوب التفاؤل حيال مستقبل أفغانستان. تطوّران يبيّن كلاهما تحسُّناً على مستوى الاتصال الإقليمي». ويبدو من المؤكد أن الزيارة التي أجراها مستشار الأمن القومي الأوزبكي، فيكتور مخمودوف، استجابةً لدعوة نظيره الباكستاني معيد يوسف، بداية الشهر الجاري، إلى إسلام أباد، تستحقّ اهتماماً خاصاً. فخلالها، وقّع البلدان على بروتوكول من شأنه أن «يساعد على تعزيز التنسيق في مجالَي الأمن والاتصال الإقليمي بين البلدين الشقيقين»، وفق ما جاء في تغريدة ليوسف. وبحسب البيان الرسمي الباكستاني، فإن البروتوكول «يغطّي نطاقاً واسعاً من الأمور المتعلّقة بالأمن... ويؤسّس لآلية تنسيق» بين مجلسَي الأمن القومي لكلا البلدين. وقد أعقب حفلَ التوقيع تصريح ليوسف، لفت فيه إلى أن إسلام أباد وطشقند ستوسّعان التعاون في ما بينهما في مجالات الإرهاب، والجرائم العابرة للحدود، وتهريب المخدرات في إطار اللجنة الأمنية الجديدة، وسيساعد كل منهما الآخر في بناء قدرات مكافحة المخدرات وإدارة الكوارث، وكذا تعزيز التعاون الدفاعي والعسكري.ولا شكّ في أن التطورات في أفغانستان، هيمنت على اللقاء الذي جمع يوسف إلى مخمودوف، إذ قال مستشار الأمن القومي الباكستاني، إن البلدين «يشتركان في نفس الموقف» تجاه البلد الجار، وأنه يجب أن تكون هناك مشاركة بنّاءة مع الحكومة الحالية في كابول لتجنّب أزمة إنسانية يمكن أن تؤثّر بشدّة في دول الجوار الأفغاني. على أن الوصول إلى دول آسيا الوسطى يمثّل هدفاً رئيساً لباكستان، في إطار سياستها الجغرافية - الاقتصادية. إذ توجّه الوفد الأوزبكي الزائر إلى حدود تورخام لاستقبال أربع شاحنات شقّت طريقها على طول الطريق من أوزبكستان عبر أفغانستان وصولاً إلى باكستان. و»تعتبر أوزبكستان، لقرْبِها الوثيق من أفغانستان، عنصراً حاسماً في تحقيق نموذجنا الجغرافي - الاقتصادي»، على حدّ تعبير يوسف.
أعطت أوزبكستان الأولوية للنقل عبر باكستان إلى موانئ غوادر وكراتشي على طريق تشابهار إلى السوق العالمية. في الواقع، أدركت وزارة الخارجية الأميركية ذلك سريعاً، حين أعلنت، في تموز الماضي، عن المجموعة الرباعية بين الولايات المتحدة وأفغانستان وأوزبكستان وباكستان، والتي «ستركّز على تعزيز الترابط الإقليمي» لتشجيع «السلام والاستقرار على المدى الطويل في أفغانستان». كانت المبادرة الأميركية ستدقّ ناقوس الخطر في موسكو وبكين.
وفي ظلّ هذه الخلفية الديناميكية، يجب تقييم التطوّر الثاني لهذا الشهر؛ ففي الثامن من تشرين الثاني، أعلن رئيس وزراء قيرغيزستان، أكيلبك زاباروف، أن بيشكيك مستعدّة للمضيّ قُدُماً في مشروع طويل الأمد تموّله بكين لبناء خطّ سكة حديد تربط الصين بأوزبكستان. هذا الإعلان الذي جاء مباشرةً بعد زيارة الوفد الأوزبكي إلى إسلام أباد، من شأنه أن يوحي بخفّة يد بكين التي تسعى إلى حفظ مصالحها بعد سيطرة حركة «طالبان» على السلطة في أفغانستان. من جهتها، تغاضت وسائل الإعلام الغربية عن إعلان زاباروف في شأن مشروع السكة الحديد. وقال زاباروف إن حكومته توصّلت إلى اتفاق مع طشقند في شأن جميع القضايا العالقة في ما يتعلّق بهذا المشروع، ويُتوقّع أن تفعل الشيء نفسه مع بكين على المدى القريب، ربّما خلال زيارة رفيعة المستوى إلى العاصمة الصينية.
تقدِّر الصين أن لدى أوزبكستان شبكة سكك حديدية داخلية متطوّرة إلى حد ما، كما أن لديها الإمكانات لتصبح مركزاً إقليمياً. بالتالي، وكجزء من مبادرة «الحزام والطريق»، تمتلك الصين خططاً طويلة الأمد لبناء خط سكة حديد من شينجيانغ عبر قيرغيزستان إلى أوزبكستان ثم تركمانستان (وإيران)، بعرض 1435 ملم. وقد أصبح جسر سكة حديد تونغجيانغ - نيجنلينينسكوي الصيني - الروسي بطول 2.2 كيلومتر، عبر نهر أمور، وهو أحدث مشروع تمّ الانتهاء منه في إطار مبادرة «الحزام والطريق» الصينية الطموحة، «نموذجاً للتكنولوجيا»، خصوصاً في ظلّ استخدام نظام مزدوج المسار. وعبر أوّل قطار تجريبي الحدود الصينية - الروسية في آب الماضي، فيما تأمل بكين بوصل سكك الحديد إلى لندن. ومع بدء تشغيل الجسر، سيتمّ تقليص مسافة النقل بالسكك الحديدية من مقاطعة هيلونغجيانغ الصينية إلى موسكو بمقدار 809 كيلومترات، أو 10 ساعات. وسيكون خام الحديد هو المنتج الرئيس الذي يتمّ نقله عبر الجسر، والذي يبلغ معدّل نقله السنوي 21 مليون طن.
ويمكن للإعلان الصادر من بيشكيك عن مشروع السكك الحديدية الصينية، أن يحوّل الاتصال عبر الحدود في منطقة آسيا الوسطى ومجموعة من الدول الإقليمية، بما في ذلك أفغانستان وباكستان وإيران. إذ لن تكون الجغرافيا السياسية للمنطقة هي نفسها بعد الآن. وتعد أوزبكستان مستفيداً كبيراً هنا، كونها البوابة الرئيسة لأفغانستان وباكستان (ميناءا غوادر وكراتشي)، فيما تتحوّل باكستان إلى دولة محورية في السياسة الإقليمية. وفي آذار، وافقت إسلام أباد وطشقند وكابول على خريطة طريق لبناء طريق بطول 573 كيلومتراً يربط مزار الشريف ببيشاور، عبر كابول. وسيفتح المشروع، الذي تبلغ تكلفته التقديرية خمسة مليارات دولار أميركي، موانئ بحرية باكستانية على الخليج العربي قبالة أوزبكستان.
من وجهة النظر الروسية، حيث يتم ربط شبكة السكك الحديدية المقترحة في آسيا الوسطى بالشبكة الروسية، سيكون للخط تأثير مضاعف على قدرة موسكو على الاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار في أفغانستان. فخطورة الوضع الأفغاني، تجبر دول آسيا الوسطى على التقارب، والصين وروسيا على تكثيف تعاونهما وتنسيقهما لتعزيز الأمن الإقليمي.
*دبلوماسي هندي سابق
(عن «غلوبتروتر» بتصرّف)