عشيّة يوم أمس، تصاعد التوتّر في كوبا، في ظلّ استعداد المعارضين ــــ المدعومين أميركيّاً ــــ للنزول في تظاهرة يُفترض أنه خُطّط لها منذ أيلول الماضي، لتكون استكمالاً لتحرّكات الـ 11 من تموز، التي خرجت بدعمٍ من السفارة الأميركية في هافانا. وتزامن تاريخ الـ 15 من تشرين الثاني، أمس، مع إطلاق الحكومة الكوبية خطّة النمو الاقتصادي، بعد قرارها استئناف الرحلات الدولية إلى الجزيرة، والهادفة خصوصاً إلى إعادة تنشيط السياحة، وتالياً الاقتصاد الكوبي الذي تلقّى ضربات متتالية بفعل الإقفال العام الذي استمرّ على مدى 20 شهراً لاحتواء الأزمة الوبائية.وعلى رغم قرار السلطات الكوبية حظْر التظاهرة المذكورة، لوجود «أدلّة دامغة» تؤكد تمويل واشنطن لهذه التحرّكات، إلّا أن الداعين إلى التظاهر، كانوا، وفق ما نُشِر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية، قد أشاعوا جوّاً من التحدّي للحكومة الكوبية، بإصرارهم على المضيّ قُدُماً في تحرّكهم، باعتباره «شيئاً لم يسبق له مثيل في كوبا». لكن الإشارات الآتية من هافانا، أظهرت تخبّطاً واضحاً على مستوى تنظيم التظاهرة، حتى قبل خروجها، وهو ما بيّنه حديث معارضين عن «احتمال عدم النزول إلى الشارع»، بحجّة «الإجراءات الأمنية» التي فرضتها الشرطة في كل أنحاء البلاد. وفيما اعتبر هؤلاء أن الإجراءات فُرِضت من أجل منعهم من التحرُّك، أكدت حكومة هافانا أنها جاءت تزامناً مع فكّ العاصمة الإقفال العام، وبدء العام الدراسي، بعد نجاحها في السيطرة على الوباء.
تحدّث بعض المعارضين عن «احتمال عدم النزول إلى الشارع» بحجّة الإجراءات الأمنية


من جهتهم، كان محلّلون غربيّون قد توقّعوا أن يكون الـ 15 من تشرين الثاني، بمثابة جولة ثانية من الـ 11 من تموز، فيما ذهب البعض في واشنطن إلى حدّ افتراض حدوث «انقلاب على النظام الشيوعي»، معوّلاً في ذلك على الدعم الأميركي المقدَّم إلى المعارضة الكوبية. أيضاً، روّجت وسائل الإعلام الأميركية لهذه التحرّكات، فيما أصدر مسؤولون بارزون، من بينهم وكيل وزارة الخارجية لشؤون نصف الكرة الغربي بريان نيكولز، ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان، وخوان غونزاليس مساعد الرئيس جو بايدن والمدير الرئيسي لنصف الكرة الغربي في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، لغاية الآن، 29 بياناً داعماً للمعارضة، وتصدَّر عضو الكونغرس الأميركي المناهض للحكومة الكوبية، ماركو روبيو، حملة التحريض على النظام الكوبي على موقع «تويتر»، قائلاً، في إحدى تغريداته، إنه «على رغم علمه بأن النظام سيردّ بالعنف والقمع، فإن الشعب الشجاع سيسير في كوبا اليوم يطالب بالحرية».
وعلى رغم عدم تبنّيها هذه التحرّكات، تؤكد الحكومة الكوبية أنها وثّقت الروابط بين المنظمَيْن الرئيسَّين للتظاهرة، وهما: يونيور غارسيا أغيليرا، ومانويل كويستا مورتا، وبين مسؤولين في الحكومة الأميركية وقادة «متطرّفين» في ميامي، في شأن التظاهرة التي سُمّيت «15N»، كما كشفت هافانا عن مشاركة بعض المعارضين في اجتماعات تدريبية مختلفة حول «أوقات التغيير ودور القوات المسلحة في كوبا»، عُقِدَت في كل من مدريد وميامي وبوينس آيرس. في هذا السياق، رأى متابعون لاتينيون أن «حكومة بايدن تستخدم في حربها مع كوبا وسائل الإعلام المهيمنة والشبكات الرقمية... وشبكة الاتصالات المناهضة لكوبا في فلوريدا»، معتبرين أنها «تخطئ الحساب في شأن الثورة الكوبية». وقال هؤلاء إن ساسة البيت الأبيض «يلعبون بالنار من خلال اتباع سيناريو الانقلاب الناعم المطبّق بالفعل في البلدان التي كانت فيها عواقب دموية أو تدخلات عسكرية مباشرة... يبدو أنهم نسوا أنه في كوبا شكّل غزو المرتزقة لخليج الخنازير أوّل هزيمة عسكرية كبرى للولايات المتحدة». وأكّد محلّلون أن «يوم الاثنين لا يعدو كونه محاولة أميركية جديدة لإثارة فوضى اجتماعية في الجزيرة بهدف إطاحة الحكومة الدستورية والشرعية لـ(الرئيس الكوبي) ميغيل دياز كانيل، وتدمير الثورة الاشتراكية الكوبية واستعادة رأسمالية المافيا الاستعمارية الجديدة بمفتاح نيوليبرالي».