القاهرة | يُثير الصراع الحالي بين «جبهة تحرير تيغراي» والحكومة الإثيوبية، مخاوف وترقّباً في دول الجوار، بسبب التداعيات المباشرة المتوقّعة عليها من جرّاء هذا الصراع، وخصوصاً منها هروب اللاجئين، الذين استقبل السودان عشرات الآلاف منهم منذ اندلاع النزاع العام الماضي، وما خلّفه من كوارث إنسانية في إقليم يسيطر عليه الفقر. ويغذّي تلك المخاوف التاريخ المشترك القاتم ما بين عدد من الدول المذكورة و«جبهة تحرير تيغراي»، التي دخلت، منذ بداية حُكمها إثيوبيا في التسعينيات بمجيء رئيس الوزراء الراحل ميلس زيناوي، في عداوات مع إريتريا والصومال وجيبوتي، وكينيا أحياناً.
إريتريا... العدو التاريخي للجبهة
منذ اندلاع الصراع في إقليم تيغراي، حضرت إريتريا بقوّة في المشهد، حيث تورّط الرئيس أسياس أفورقي في إرسال قوات تابعة للجيش لمساندة حليفه آبي أحمد، والانتقام من «جبهة تحرير تيغراي»، العدوّ الرئيس له خلال العقود التي حكمت فيها الجبهة إثيوبيا. وزدات خطوة أفورقي من تعقيد الصراع، بعد أن تعهّدت «تحرير تيغراي» بالردّ على إريتريا فور إنهاء حكم آبي أحمد في إثيوبيا، وهو ما يهدّد بموجة لا تنتهي من الاقتتال والانتقام، خاصة بعد ارتكاب القوات الإثيوبية والإريترية مجازر وأعمال عنف واعتداءات جنسية وحشية بحقّ سكان الإقليم، بحسب تقارير دولية. وتَمثّلت أولى بوادر ذلك الانتقام في تبنّي الجبهة هجوماً بالصواريخ استهدف مطار العاصمة أسمرة. ويرى مراقبون أن إطاحة آبي أحمد تشكّل تهديداً رئيساً لاتفاق السلام مع إريتريا، بخاصة إذا ما عادت «تحرير تيغراي» إلى الحكم، وهو ما قد يُجدّد تاريخاً اتّسم بالدموية بين البلدين منذ عام 1993، وخلّف آلاف الضحايا. ولا يزال الجنود الإريتريون متواجدين في إثيوبيا - على رغم التنديد الدولي ببقائهم، والدعوات المستمرّة إلى أفورقي لسحبهم -، في مؤشّر إلى تخوّف إريتريا من أيّ تغير في المشهد السياسي الإثيوبي.

السودان... ملجأ المتضررين
منذ اندلاع الاشتباكات في إثيوبيا، شكّلت الأراضي السودانية الملاذ الأوّل لعشرات الآلاف من اللاجئين، على رغم توتّر العلاقات بين الإدارة السودانية الانتقالية المُطاح بها وحكومة آبي أحمد، بسبب النزاع الحدودي شمال شرق السودان، في منطقة الفشقة السودانية التي تسيطر عليها ميليشيات الأمهرة الإثيوبية منذ سنوات طويلة، فضلاً عن الخلاف حول سدّ النهضة الذي ترى فيه الخرطوم تهديداً مباشراً وخطيراً لأمنها القومي. ويرى مراقبون أن الصراع في إقليم تيغراي كانت له العديد من الانعكاسات السلبية على السودان خلال العام الماضي، إذ إن تفاقم الضغط على آبي أحمد جعله يتّخذ منحى أكثر تشدّداً في تعطيل أيّ اتفاق سلمي على المناطق الحدودية المتنازع عليها، عبر السماح للميليشيات الإثيوبية بتنفيذ هجمات متكرّرة على الجيش السوداني، بل وتذهب بعض التحليلات إلى أن تصاعد التوتر في شرق السودان بعد إغلاق محتجّين ميناء بورتسودان الذي يمثّل الشريان الحيوي للدولة، قد تكون لإثيوبيا يدٌ فيه، خاصة وأن هناك امتدادات عرقية في المنطقة. ومما عزّز الخلاف مواقف آبي أحمد ضدّ السودان، ورفضه التامّ لأيّ مقترحات للحلّ، ومنها ما طرحه رئيس الوزراء السوداني المُطاح، عبد الله حمدوك، لناحية قيام رئيس «منظمة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)» بدور وساطة للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في إقليم تيغراي.
يثير الصراع الحالي في إثيوبيا مخاوف في دول الجوار بسبب التداعيات المتوقعّة عليها من جرّائه


الصومال... انتقام «المجاهدين»
لم يكن الصومال بعيداً عن المشهد المشتعل في إثيوبيا، خاصة مع سحب إدارة آبي أحمد قوات الجيش الإثيوبي التي كانت تقاتل ضدّ حركة «شباب المجاهدين» في الصومال، تنفيذاً لأجندة غربية، حيث مثّلت إثيوبيا الحليف الاستراتيجي الأوّل للغرب في «مكافحة الإرهاب» في القرن الأفريقي. وليست إثيوبيا، بالعموم، على علاقة تاريخية طيّبة بالصومال، إذ استمرّ النزاع على الحدود بين البلدين لأكثر من نصف قرن، تخلّلتها حربان من أجل إقليم أوغادين، الواقع في أقصى شرق إثيوبيا والذي يتحدّث سكّانه اللغة الصومالية. لكن مع تفاقم المشاكل الداخلية في الصومال، واندلاع الحرب الأهلية وموجات المجاعة والتمرّد المسلّح التي قادتها حركة «الشباب»، تمّت الاستعانة عام 2011 بقوات إثيوبية لمواجهة الحركة، فيما كان آبي أحمد يسعى منذ مجيئه لتدشين تحالف إقليمي ثلاثي يضمّ إثيوبيا والصومال وإريتريا، من شأنه حماية الأمن الإقليمي. اليوم، ومع انشغال الجيش الإثيوبي بمعارك داخلية، أصبحت هذه الدول مهدَّدة بمواجهة مخاطر أمنية، خصوصاً من قِبَل «الشباب» التي ستستغلّ الوضع لشنّ هجمات انتقامية.

جيبوتي... الجارة الاستراتيجية
تتّسم العلاقات بين إثيوبيا وجيبوتي بالهدوء النسبي، بسبب المصالح الاستراتيجية لإثيوبيا مع الدولة التي تمدّها باحتياجاتها عبر الموانئ المطلّة على البحر الأحمر. إلّا أن الصراع الداخلي الإثيوبي بات مهدّداً لهذا الهدوء، خاصة بعدما عمدت «جبهة تحرير تيغراي» إلى غلْق طرق حيوية تربط العاصمة أديس أبابا بميناء جيبوتي البحري. وتتجلّى الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لجيبوتي، الدولة الأصغر في المنطقة، في استحواذها على مصالح القوى الدولية الفاعلة في المحيط الأفريقي، حيث تتواجد فيها 9 قواعد عسكرية أميركية وصينية وفرنسية وغيرها، وهو ما يزيد القلق من استمرار الصراع في إثيوبيا، الذي دعت جيبوتي إلى إيجاد «حلّ سلمي» له، «وحماية الممرّات الإنسانية». وعلى رغم هذا القلق، إلّا أن الموقف الجيبوتي لا يزال يتّسم بالغموض، علماً أن هذه الدولة كانت قد وقّعت مع إثيوبيا قبل خمسة أشهر اتفاقاً للتعاون العسكري وتعزيز القوات المسلحة وتبادل المعلومات.



مصير «سدّ النهضة»
يدرك المتابع لأداء آبي أحمد في ملفّ «سدّ النهضة» كيف اتّخذت مواقفه منحىً سلبياً في الحوار مع القاهرة والخرطوم بشأن السدّ، وكيف تمّ تطويع هذا الملفّ كمشروع قومي تعبوي لخدمة سياساته، ممّا زاد من مساحة العداء مع مصر والسودان، الذي كان حتى وقت قريب مؤيّداً للمشروع بشكل غير مشروط، ليتحوّل إلى رافض لكلّ الممارسات الإثيوبية. وعلى رغم اتّجاه بعض المراقبين إلى الحديث عن إمكانية تعطيل الإنشاءات في موقع «سدّ النهضة»، تأثّراً بالصراع، خاصة مع تدهور الأوضاع في منطقة بني شنقول جوميز المقام عليها المشروع، ودخول سكّانها في التمرّد ضدّ آبي أحمد، وبالتالي إيقاع مزيد من التأجيل لملء خزان السدّ (وهو ما قد تستفيد منه مصر)، إلّا أن البعض يرى أن هذه الأوضاع تولّد مزيداً من التعقيدات أمام القاهرة، التي تحاول دفع أديس أبابا إلى مفاوضات جادّة من أجل التوصّل إلى اتفاق شامل وملزم يحكم قواعد ملء السدّ وتشغيله، الأمر الذي قد يكون مستحيلاً في ظلّ استمرار الصراع في الداخل الإثيوبي. إذ إن هذا السيناريو سيعني تجميد أيّ مفاوضات، لاسيما وأن الاتحاد الأفريقي منشغل الآن بتهدئة الأوضاع في إثيوبيا.