لا تبدو أيٌّ مِن الدول، البعيدة منها أو المجاورة، على استعداد بعد لمنْح حكومة حركة «طالبان» اعترافاً يمكنها البناء عليه لتحسين أحوال البلاد المنهارة، والمعتمدة أولاً وأساساً على المساعدات الدولية شبه المتوقفة. اعتراف لن يكون في مقدور الحركة من دونه أن تؤسِّس لنظام يمكن الركون إليه، خصوصاً في ظلّ التحديات الجمّة التي تواجهها على كل المستويات، وأبرزها التحدّي الأمني الذي فاقمته الضربات المتتالية والمتفرّقة لتنظيم «داعش» الأفغاني. إزاء هذا الواقع، تخشى «طالبان» مزيداً من زعزعة الاستقرار، لا سيما بعد الحديث عن احتمال تلقّي جبهة أحمد مسعود المعارِضة لحُكم الحركة، دعماً لبدء حملة ضغط تقودها من واشنطن، بينما تعشِّم هذه الأخيرة السلطات الجديدة باعتراف تقول إن «سلوكها المسؤول» سيسرعه
لا تزال الحكومة الأفغانية التي شكّلتها حركة «طالبان» في أيلول الماضي، تسعى وراء نيْل اعتراف دولي يجنِّب البلاد مزيداً من التدهور، على المستويَين الاقتصادي والأمني، وإنْ كانت السلطات الجديدة لا تفتأ تهوّن من شأن تنامي نشاط تنظيم «داعش» في مناطق متفرّقة من أفغانستان، خصوصاً بعد رفضها التنسيق استخبارياً مع الولايات المتحدة، بما يمكّن هذه الأخيرة من استكمال مهامّ «مكافحة الإرهاب» من الجوار الأفغاني، ومن دون أيّ مقابل. وتكرَّر حديث واشنطن عن القلق الذي يعتريها إزاء تمدُّد التنظيم في البلد الذي غادرته قواتها أخيراً، على لسان مبعوثها الجديد إلى أفغانستان، توماس ويست، الذي ذكر من بروكسل، قبل يومين، أن تطبيع العلاقات مع الجانب الأفغاني ليس بيد الأميركيين وحدهم، داعياً «طالبان» إلى «تأسيس سجلٍّ للسلوك المسؤول» قبل اتّخاذ بلاده أيّ خطوة إيجابية تجاه الحركة، ومنها إعادة فتح ممثليتها الديبلوماسية.
في خضمّ هذا الالتباس الحاصل، يُقلِق «طالبان» بعض المساعي الأميركية لتعويم «جبهة المقاومة» التي يقودها أحمد مسعود، بعدما ظنّت أن الصداع قد زال بمجرّد تمكُّنها من السيطرة على معقل معارضيها في ولاية بانشير (شمال شرق). وفي هذا الإطار، ذكر الناطق باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، في حديث إلى تلفزيون «تي في 1» الأفغاني، أن «الدعم السياسي الأميركي لما تُسمَّى جبهة المقاومة الوطنية بقيادة أحمد مسعود يُعدُّ انتهاكاً لاتفاق الدوحة». وهو ما جاء ردّاً على سؤال عن احتمال فتح الجبهة المناهضة لحُكْم «طالبان» مكتباً لها في واشنطن، بعدما تحدّث مسؤولون أميركيون، أخيراً، عن أن جماعة مسعود سَجَّلت نفسها لدى وزارة العدل الأميركية لبدء حملة ضغط سياسية في الولايات المتحدة، فيما نقل موقع «صوت أميركا» عن ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، قوله، إن الوزارة على علم بأن منظّمة تحمل اسم «جبهة المقاومة الوطنية» سجَّلت نفسها بموجب «قانون الوكيل الأجنبي» في الـ26 من تشرين الأوّل الماضي.
يُقلِق «طالبان» بعض المساعي الأميركية لتعويم «جبهة المقاومة» التي يقودها أحمد مسعود


وإذ لا تبدو أميركا مستعجلة على اتخاذ أيّ خطوة تجاه الحركة، فقد أوفدت مبعوثها الجديد، توماس ويست، في جولةٍ بدأها، قبل يومين، من بروكسل، حيث التقى حلفاء بلاده في «حلف شمال الأطلسي»، وأعرب أمامهم عن قلق الولايات المتحدة من تزايد هجمات تنظيم «داعش»، وقلقها أكثر من الوجود المستمرّ لتنظيم «القاعدة» في هذا البلد. ولفت المبعوث الذي عُيِّن خلفاً لزلماي خليل زاد، إلى أن الحركة ترغب في تطبيع العلاقات مع بلاده، «إلّا أن الأمر ليس بيد واشنطن وحدها»، مشيراً إلى أن الاستعدادات جارية لعقْد جولة جديدة من المحادثات بين الجانبين، هي الثانية بعد أولى عُقدت في الدوحة الشهر الماضي. وتريد الولايات المتحدة، وفق مبعوثها، التزام «طالبان» بتعهداتها، خصوصاً في ظلّ اشتغالها جنباً إلى جنب دول جوار أفغانستان، على تعزيز الأمن في هذا البلد. لهذا، سيستكمل ويست جولته قريباً، بزيارة كل من روسيا والهند وباكستان. وضمن مساعيها لنيْل اعتراف دول الجوار، يتوجّه وفد من حكومة «طالبان» برئاسة وزير الخارجية، أمير خان متقي، إلى إسلام أباد في زيارة رسمية تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية، ومناقشة قضايا الاقتصاد واللاجئين والتنقّل بين البلدين.
في غضون ذلك، تواصل «طالبان» تثبيت سلطة مطلقة في أفغانستان، إذ أقدمت على تعيين 44 من أعضائها في مناصب رئيسة، منها حكّام أقاليم وقادة شرطة، في الوقت الذي تتفاقم فيه مشكلات البلد الأمنية والاقتصادية. وأعلنت الحركة عن قائمة الأدوار الجديدة لأعضائها، ومن بينهم قاري باريال الذي سيتولّى منصب حاكم إقليم قندهار، ووالي جان حمزة الذي سيضطلع بدور قائد شرطة المدينة. وجاءت هذه التعيينات بعدما كثّف تنظيم «داعش» هجماته التي استهدفت المدنيين وعناصر من الحركة في أنحاء البلاد في الأسابيع القليلة الماضية، على رغم أن «طالبان» لا تفتأ تقول إن «انتصارها» جلب الاستقرار إلى أفغانستان، وأن في مستطاعها مواجهة التنظيم منفردة، «في بلدٍ فيه 34 إقليماً، وفي الأسبوع يتمّ منع 20 حادثاً مقابل كلّ حادث يقع»، وفق ناطق باسمها.