منذ تولّيه منصبه أميناً عاماً لـ»الحزب الشيوعي»، في عام 2012، حدَّد شي «هدفَيْن مئويَّيْن»: الأوّل، جعل الصين مجتمعاً مزدهراً بحلول عام 2021، أي في الذكرى المئة لتأسيس الحزب؛ والثاني، بناء دولة اشتراكية حديثة بحلول عام 2049، أي بعد مئة عام من تأسيس جمهورية الصين الشعبية. وفي أواخر عام صعوده، عزَّز الرئيس الصيني سلطته السياسية عبر حملة تطهير الحزب من الفساد المستشري، وتهميش الأعداء، بحسب ما ورد في مقال للباحث الأميركي جود بلانشيت، بعنوان «مقامرة شي»، نُشر في مجلّة «فورين أفيرز» في تموز الماضي.
عزَّز الرئيس الصيني سلطته السياسية عبر حملة تطهير الحزب من الفساد المستشري
وعكف شي في مستهلّ رئاسته على «ترويض» التكتلات التجارية الطموحة العاملة في قطاعَي التكنولوجيا والمال، وسحْق المعارضة الداخلية، وتكريس نفوذ الصين على الساحة الدولية. ولأنه أراد التصدّي لكلّ المشاكل دفعةً واحدة، أطلق في العام التالي، 2013، حملةً لمكافحة الفساد والقضاء على التعددية السياسية والأيديولوجيات الليبرالية من الخطاب العام، معلناً عن حزمة جديدة من التوجيهات للحدّ من زيادة أعضاء الحزب، كما أضاف شروطاً أيديولوجية جديدة يجب على الأعضاء الجُدد استيفاءها. وقامت الخطوة التالية في أجندته على ضرورة ترسيخ المصالح الصينية على المسرح الدولي، ما دفعه إلى المسارعة في بدء استصلاح الأراضي في منطقة بحر الصين الجنوبي، وتأسيس منطقة تحديد الدفاع الجوي فوق الحدود المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي، والمساعدة في إطلاق بنك التنمية الجديد (بنك متعدّد الأطراف تديره مجموعة دول البريكس: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا)، وأخيراً إماطة اللثام عن «مبادرة الحزام والطريق».
وفيما كان دأب أسلافه قائماً على ضرورة أن تواصل الصين تحيّن اللحظة المواتية، عبر الإشراف على تحقيق نمو اقتصادي سريع، والتوسّع المطّرد في بسط النفوذ من خلال ما يسمّيه بلانشيت «الاندماج التكتيكي في النظام العالمي الحالي»، ظلّ شي يضيق ذرعاً بالوضع الراهن، «على رغم امتلاكه قدرة عالية على تحمُّل المخاطر، وشعوره الواضح بالحاجة الملحّة إلى تحدِّي النظام العالمي». ويرى الكاتب أن حسابات شي «لا تحكمها تطلعاته أو مخاوفه، بقدر ما يحدِّدها جدوله الزمني. فالأمر ببساطة أن الرئيس الصيني جمع من السلطة والنفوذ الكثير، وأحدث اضطراباً في الوضع الراهن بما امتلكه من قوّة؛ لذلك يرى أمامه فرصة ضئيلة متاحة لا تتجاوز 10 إلى 15 سنة يمكن لبكين في خلالها استغلال جملة من التحوّلات التكنولوجية والجيوسياسية المهمّة، التي يمكن أن تساعدها في تجاوز التحديات الداخلية الهائلة». ويعتقد شي بأن تضافر التأثيرات الديموغرافية، والتباطؤ الاقتصادي الهيكلي، وأوجه التقدّم السريع في مجال التكنولوجيا، والتحوّل الملموس في ميزان القوى العالمي بعيداً من الولايات المتحدة - والتي يطلق عليها «تغيّرات جذرية لا نظير لها طوال قرن» - كلها عوامل تتطلّب استجابات فورية وجريئة. على أن شي بحصْره الفرصة المتاحة أمامه في نطاق ضيِّق لا يتجاوز 10 إلى 15 سنة، غرس في النظام السياسي الصيني رؤية واضحة وتصميماً قد يُمكِّنان البلاد من التغلّب على التحديات الداخلية قديمة العهد، وتحقيق مستوى جديد من المكانة المحورية العالمية. وإذا ما قُدِّر له النجاح، فإن الصين ستتبوأ مكانتها كـ»مهندس لعهد جديد من التعددية القطبية»، على حدّ تعبير الكاتب.