يبدو أن كوبا ستعود إلى تصدّر المشهد السياسي اللاتيني، مع اقتراب موعد الاحتجاجات التي دعت إليها المعارضة المدعومة أميركياً في الـ15 من الشهر الحالي. وعلى رغم أن الحكومة الكوبية أعلنت نيّتها منع تلك الاحتجاجات، إلّا أن المعارضين استمرّوا في الدعوة إليها، خصوصاً عقب إعلان الولايات المتحدة، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، دعمها لها، وتهديدها بفرض عقوبات جديدة على هافانا في حال قرّرت الأخيرة «إحباط هذا التحرّك أو ملاحقة الداعين إليه». ويمثّل هذا الموقف الأميركي امتداداً لما أظهرته الولايات المتحدة في حزيران الماضي، من دعمٍ للاحتجاجات التي شهدتها كوبا آنذاك تحت لافتة الأوضاع الاقتصادية. وهو دعمٌ لم يقتصر، بحسب المسؤولين الكوبيين، على الفعل الكلامي، بل تجاوزه إلى المشاركة العملياتية، إذ اتّهم الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، واشنطن بأنها «استخدمت سفارتها في هافانا من أجل إثارة الفتنة في الجزيرة، وتقديم الدعم المالي والفنّي» للمعارضين، مضيفاً أن «دبلوماسيين أميركيين يجتمعون كثيراً بزعماء عصابةٍ مناهضين للثورة، مستغلّين بوقاحة الامتيازات الممنوحة لسفارة بلادهم في كوبا». وشدّد دياز كانيل على أن «التظاهرات لا تعود سلمية عندما يسعى المشاركون فيها لتقويض السلام الاجتماعي والنظام الدستوري، خدمةً لمصالح سياسية لحكومات أجنبية». وفي الاتجاه نفسه، نشر «الحزب الشيوعي الكوبي»، عبر عضو الأمانة العامة في اللجنة المركزية روخيليو بولانكو، تسجيلاً لما قال إنه مُكالمة جرت بين جونيور غارسيا، المنظّم الرئيسي لتظاهرات حزيران وبين رامون سايل سانشيز «أحد أعضاء المنظمات المتّهَمة بارتكاب أعمال إرهابية ضدّ الجزيرة».وفي ظلّ ما يبدو أنه موجة ثانية من الاحتجاجات، نشرت صحيفة «غرانما» الكوبية مقالاً استعادت فيه ديناميات تلك الفترة، والتي استهدفت، بحسبها، «تصديع الوحدة الوطنية»، عبر ما سمّاه الرئيس الكوبي السابق راؤول كاسترو، خلال المؤتمر الثامن للحزب في نيسان الفائت، «برنامج التخريب والتأثير الإيديولوجي والثقافي (والذي) يهدف إلى تشويه سمعة النموذج الاشتراكي». وأشارت الصحيفة إلى تعاظم الدعم المادّي لمحطات إذاعة وتلفزيون في الولايات المتحدة، من أجل «تطوير برامج هدفها توليد محتوى إيديولوجي يدعو صراحة إلى إسقاط الثورة»، فضلاً عن «الدعوات المتكرّرة للتظاهر في الأماكن العامة، وقتل عناصر قوى الأمن وممثّلي السلطة». وتطرّقت إلى «الفريق المعنيّ بشبكة الإنترنت من أجل كوبا»، الذي أسّسته الولايات المتحدة، والهادف إلى «جعل الشبكات الاجتماعية قنوات للتخريب، وإنشاء شبكات لاسلكية خارج سيطرة الدولة للقيام بهجمات سيبرانية على المؤسّسات الحيوية». وتحدثت «غرانما» عن أن الداعين إلى التظاهرات خضعوا لـ«دورات دراسية تحت رعاية CADAL، المؤسّسة اليمينية الأرجنتينية والجامعات الأميركية ومراكز بحوث من مثل صندوق كارنيغي للسلام الدولي».
وبخصوص الموجة التالية المتوقّعة الشهر الحالي، أشارت الصحيفة إلى «التغريدات والتصريحات التي تملأ هذه الأيام شوارع ميامي، كما لو كانت التظاهرة ستقام في المدينة»، مبيّنة أن «من بين المؤيّدين المتحمّسين للتحرّك، أعضاء في الكونغرس، كماركو روبيو وماريو دياز بالار وماريا إلفيرا سالازار وغوتيريز بورونات». وفي قراءتها لذلك، اعتبرت الصحيفة أن «أولئك الذين راهنوا على فشل الاشتراكية في كوبا، ورأوا في 11 حزيران ضربة قاضية للثورة، يشعرون بالإحباط، ويبدون في عجلة من أمرهم في خططهم... ويسعون إلى منع أيّ إمكانية للرفاه والتنمية الفردية والجماعية واستقرار المواطنين والسلام»، محذّرة من أن تلك الأعمال «المزعزعة للاستقرار قد تؤدي إلى انفجار اجتماعي، يدفع إلى التدخل العسكري، الذي يتطلّعون إليه في ميامي وحتى في البيت الأبيض نفسه». وفي هذا السياق، استعادت «غرانما» حديثاً للفيلسوف والمناضل خوسيه مارتي، يقول فيه: «على أرضنا، هناك خطّة أخرى أشدّ قتامة ممّا عرفناه حتى الآن، وهي الخطّة الجائرة لإجبار الجزيرة والدفع بها إلى الحرب لكي يكون لديها (واشنطن) ذريعة للتدخّل فيها، وبصفة وسيط وضامن، بهدف الاستيلاء عليها... هل سنموت من أجل إعطاء حجّة لهؤلاء الذين يدفعوننا للحرب من أجل مصالحهم؟ حياتنا تساوي أكثر من ذلك، والجزيرة بحاجة إلى معرفة هذا في الوقت المناسب».