تواصل الولايات المتحدة التشبيح في مياه الخليج، عبر ما تقول إيران إنها حادثة قرصنة جديدة وقعت، قبل أيّام، في بحر عُمان عندما استولت القوات الأميركية على إحدى ناقلاتها النفطية، قبل أن تتمكَّن بحرية الحرس من استعادتها بعملية إنزال جوّي. وفي حين نقل مسؤولون أميركيون رواية مغايرة تماماً لتلك الإيرانية، متحدّثين عن أن طهران هي مَن تحتجز ناقلةً ترفع العلم الفيتنامي، يبدو أن الباب لا يزال موصداً أمام احتمال خفض حدّة التوتّر بين الجانبين، خصوصاً مع تلويح أميركا بخيارات بديلة «ربّما تكون عسكرية»، في ما لو فشل الطرفان في إعادة إحياء الاتفاق حول البرنامج النووي
في خضمّ الغموض المحيط بمستقبل الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وتلويح واشنطن، على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، قبل أيّام، باللجوء إلى الخيارات البديلة، ومنها ذلك العسكري، تمضي الولايات المتحدة في اتباع سياسة عقوبات قاسية تشكّل مادّة الجدل الرئيس بينها وبين طهران؛ إذ تشترط الأخيرة للتراجع عن خطوات اتّخذتها في إطار التخفُّف من التزامات نصَّ عليها الاتفاق، رفعاً كاملاً لِمَا أُعيد فرضه من عقوبات بعد الانسحاب الأميركي الأحادي من «خطّة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2018، بينما ترفض واشنطن تقديم أيّ تنازلات في هذا المضمار. وإن أمكن إيران تجاوز المرحلة الحرجة التي أعقبت فرْض سياسة «الضغوط القصوى» من جانب إدارة دونالد ترامب، عبر الالتفاف على العقوبات، وخصوصاً النفطية، يبدو أن أميركا تسير في اتّجاه توتير الأجواء والضغط على الجمهورية الإسلامية قبل حلول موعد استئناف المفاوضات - المتوقّفة منذ خمسة أشهر - في نهاية تشرين الثاني الجاري.
اتّجاه يجلّيه إعلان طهران إحباطَ محاولة أميركية للاستيلاء على إحدى ناقلاتها النفطية المعدَّة للتصدير في خليج عُمان. إلّا أن تضارب الروايتَين الإيرانية والأميركية بخصوص حادثة الناقلة سيزيد من حدّة التوتُّر بين الجانبين، ويحتمل، في الموازاة، أن يطيّر المحادثات المرتقبة. وفي سردها لتفاصيل الواقعة، قالت بحرية الحرس الثوري إن الناقلة تعرّضت، في الـ25 من تشرين الأوّل الماضي، لـ»قرصنة أميركية» في بحر عُمان، وصادرتها القوات الأميركية، قبل أن تعيدها البحرية بعملية «إنزال جوي»، وتُوجّهها للعودة إلى المياه الإقليمية الإيرانية، فيما حاول الأميركيون مجدّداً إعاقة مسار الناقلة باستخدام مروحيات وسفينة حربية، لكنهم فشلوا. من جهتها، نفت الولايات المتحدة، على لسان مسؤول في «البنتاغون»، صحّة الرواية الإيرانية من أن «الأميركيين سرقوا هذه الناقلة في مياه بحر عمان، وبعد نقل شحنتها إلى ناقلة ثانية، اقتادوها إلى جهة مجهولة». ولفت هذا المسؤول، في حديث تلفزيوني، إلى أن قوات إيرانية «سيطرت على ناقلة نفط في مياه الخليج الأسبوع الماضي، بينما كانت بحريتنا تراقب»، فيما نقلت وكالتا «رويترز» و»أسوشيتد برس» عن مسؤولين أميركيين، قولهم، إن إيران تحتجز، منذ الـ24 من تشرين الأول الماضي، ناقلة نفط ترفع العلم الفيتنامي في خليج عُمان. وعزا مسؤول أميركي صمت بلاده وعدم كشفها عن التوترات البحرية واحتجاز إيران للناقلة، وفق ما نقلت عنه مجلة «نيوزويك»، إلى أن واشنطن «لا تريد أن يؤثّر ذلك في فرص المحادثات النووية». وبدا لافتاً أن الإعلان عن حادثة خليج عُمان، جاء بعد يومٍ واحد من كشْف البحرية الإيرانية عن إحباط محاولة قرصنة طاولت ناقلة نفط تابعة للجمهورية الإسلامية في خليج عدن قرب باب المندب، في عملية هي الثانية من نوعها خلال أسبوعين، إذ أعلنت طهران، قبلها، تصدّي قواتها لمحاولة قرصنة استهدفت ناقلتَين في خليج عدن يوم الـ16 من الشهر الماضي.
يُتوقَّع أن ترخي حادثة الناقلة بظلالها على المفاوضات حول النووي الإيراني


إزاء ما تقدَّم، يُتوقَّع أن ترخي حادثة الناقلة، معطوفة على الروايتَين المتضاربتَين، بظلالها على المفاوضات حول النووي الإيراني، والرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق. ويبيّن ذلك ما صرّح به، يوم أمس، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، من أن المفاوضات «ستفشل ما لم يتمكّن الرئيس الأميركي جو بايدن من ضمان عدم انسحاب واشنطن مجدّداً من الاتفاق»، مشيراً إلى أن «الرئيس الأميركي، الذي يفتقر إلى السلطة، ليس مستعدّاً لتقديم ضمانات. إذا استمر الوضع الحالي، فإن نتيجة المفاوضات واضحة». وتمثّل هذه الضمانات إحدى نقاط الخلاف الرئيسة، وشرط إيران الأوّل للعودة إلى الاتفاق، حتى لا تصبح الصفقة عرضةً لمزاج الرئيس الجالس في البيت الأبيض، والإدارات المتعاقبة.
لكن إيران، وكما أكدت في أكثر من مناسبة، ليست مستعجلة لإحياء اتفاق لا يصبّ في مصلحتها، خصوصاً أن لها أساليبها الكثيرة بالالتفاف على العقوبات. وفي هذا الإطار، عرض وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، في لقاء جمعه، أوّل من أمس، إلى أعضاء لجنة الاقتصاد البرلمانية، تقريراً عن أدائه منذ تسلُّمه الوزارة في آب الماضي، وآخر عن كمية صادرات النفط الإيرانية، التي قال إنها «تحسّنت» في عهد الحكومة الجديدة، مع الحفاظ على سريه الأرقام، في ظلّ العقوبات الأميركية المفروضة. وتحدّث الوزير عن نجاعة مشروع الوزارة لمقايضة النفط بالاستثمار، لافتاً إلى أن وزارته بصدد زيادة الطاقة الإنتاجية للمصافي الإيرانية إلى 1.4 مليون طن يومياً خلال السنوات الأربع أو الخمس المقبلة. وتُقدَّر الصادرات الإيرانية بنحو 1.2 مليار دولار، إذ سبق لرئيس منظمة التخطيط ورسم الموازنات في الحكومة السابقة، محمد باقر نوبخت، أن أعلن أن عائدات الصادرات النفطية، خلال العام الإيراني الماضي (21 آذار 2020 - 21 آذار 2021)، بلغت 1.2 مليار دولار، فيما دعا وزير النفط الإيراني السابق، بيجن زنغنه، قبل مغادرته منصبه، الحكومة الإيرانية إلى العمل على رفع القدرة الإنتاجية للنفط إلى 6 ملايين و500 ألف برميل يومياً، لأنه يمكن إيران بسهولة رفع إنتاجها إلى هذا المستوى.