«تمكنّا من إرسال مليونَي برميل إلى إيران، وهذا يسمح لنا بالخروج من الركود والحصار... كما يعني أنّنا في وضعٍ يضمن لنا الاستقرار في إمداد دول مثل الصين والهند بالنفط... سنعود إلى إنتاج 750 ألف برميل يومياً، وهو الأمر الذي قد يتيح لنا الوصول إلى مستوى مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام... إنّنا نهزم الحصار في المنطقة النفطية بمشاركة العمال والمهندسين والعاملين، وبمساعدة أصدقائنا الإيرانيين». الكلام لرئيس مفوّضية الطاقة والبترول في الجمعية الوطنية الفنزويلية، أنجيل رودريغيز، في حديث إلى مجلّة «Exclusivas Económica» الفنزويلية قبل يومين. كلامٌ يجلّي إصرار فنزويلا على تجاوز آثار العقوبات المفروضة عليها، ولا سيما في ما يمثّل شريان الحياة الأساسي بالنسبة إليها، أي قطاع النفط، مستندةً إلى سلسلة أوراق قوّة استطاعت كسبها خلال الفترة الماضية، منذ إفشالها محاولة الانقلاب الأميركية ضدّ رئيسها نيكولاس مادورو.وليست إشارة رودريغيز إلى الدور الإيراني في هذا المجال عبثية؛ إذ إن إيران كانت لها بالفعل مساهمة جادّة وحقيقية في تخفيف وطأة الضغوط الأميركية على فنزويلا، لا انطلاقاً من مقتضى الصداقة التي تجمعها بالأخيرة منذ سبعينيات القرن الماضي فحسب، بل وأيضاً لكون الدولتَين تواجهان التحدّي نفسه المتمثّل في كسر الحصار الغربي عليهما. ومن هنا، فقد افتتحتا منذ أشهر حقبة جديدة من التعاون، دشّنها وصول شحنة من الوقود الإيراني إلى العاصمة الفنزويلية كاراكاس العام الماضي، لتبدآ مذّاك العمل على إرساء أسس اتفاقية تعاون استراتيجي لمدّة 25 عاماً، أُعلن عنها قبل أسبوعين خلال زيارة وزير الخارجية الفنزويلي، فيليكس بلاسينسيا، إلى طهران، ولقائه بأبرز القادة الإيرانيين. ويُنظر في إيران إلى هذه الاتفاقية، التي يُرتقب توقيعها في الأشهر المقبلة خلال زيارة مقرّرة للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى الجمهورية الإسلامية، على أنها خطوة إضافية لـ«قطبَي النضال ضدّ الهيمنة الأميركية»، «ورسالة إلى الدول الغربية بأن الدولتين ستستمران في دعم بعضهما البعض بوجه الضغوط التي تتعرّضان لها من قِبَل واشنطن»، بحسب قراءات الصحف الإيرانية.
تعرب أوساط أميركية عن قلقها من ارتقاء التعاون إلى المستويَين الأمني والعسكري


اللافت أن هذا التعاون الاقتصادي، الذي اتّخذ مظاهر عدّة من بينها افتتاح متاجر تبيع البضاعة الإيرانية في كاراكاس العام الماضي، لا يفتأ يثير قلق الولايات المتحدة من ارتقائه إلى المستويَين الأمني والعسكري، حتّى إن البعض بات يحذّر من لجوء طهران إلى «نشر صواريخ نووية في كاراكاس» - الأمر الذي يشكّل خطراً على الأمن الأميركي -، إلى جانب سعيها إلى «تعظيم قوّتها الناعمة في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، باستخدام فنزويلا كنقطة دخول». إلّا أنه بالنظر إلى التصريحات الصادرة عن الجانبَين الإيراني والفنزويلي، يتّضح أن التعاون البيني سيقتصر حالياً على المجالَين السياسي والاقتصادي، وخصوصاً النفطي. ويدور الحديث في هذا الإطار عن تطوير تجارة النفط بين البلدين لتشمل أصناف الوقود كافة، علماً أن طهران وكاراكاس كلتيهما شاركتا في تأسيس منظّمة «أوبك» في عام 1960. وفي أعقاب انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تعزّزت العلاقات تدريجياً لتتحوّل إلى نوع من الشراكة، إثر وصول الرئيس هوغو تشافيز إلى الحُكم في فنزويلا عام 1999. وبحلول عام 2005، مع صعود محمود أحمدي نجاد إلى رأس السلطة في إيران، قام بين الدولتين ما يشبه التحالف الاستراتيجي (الاقتصادي والسياسي). وعلى رغم تبدّل الأولويات الإيرانية لتغيّر الحكومات المتتالية، إلّا أن حجم التجارة بين إيران ودول أميركا الجنوبية زاد من 900 مليون دولار عام 2000، إلى 4 مليارات دولار عام 2013، توازياً مع توقيع أكثر من 250 اتفاقية مشتركة.
على أن منطقة أميركا اللاتينية ليست وحدها التي تستهدفها الدبلوماسية الإيرانية في إطار سعيها إلى تعزيز أوراقها بمواجهة الضغوط الأميركية، إذ عمدت إيران، أوائل العام الجاري، إلى توقيع اتفاقية تعاونية مع الصين مدّتها 25 عاماً بقيمة 400 مليار دولار. وكما الاتفاقية المنويّ توقيعها مع فنزويلا، يغطّي الاتفاق مع بكين، والذي أُطلق عليه اسم «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، مجموعة متنوّعة من الأنشطة الاقتصادية من النفط والتعدين، فضلاً عن التعاون في مجالَي النقل والزراعة. وإذ تهدف الشراكة المذكورة إلى تعزيز موقع القوّتَين الصاعدتَين مقابل المساعي الأميركية الهادفة إلى عزلهما، فإن «اتفاقية طهران ـــ كاراكاس تندرج في السياق نفسه»، بحسب ما تعتقد مصادر مقرّبة من الحكومة الفنزويلية.