بالنسبة إلى زيمور، لا يوجد سوى فرنسا واحدة، وغير تاريخ فرنسي واحد: «تاريخ ناصع من العظمة الأبدية والمجد». وبالتالي، فهو ضدّ أيّ شكل من أشكال التنوّع العرقي، وأيّ مرافعات عن ضحايا استعمار الإمبراطورية الفرنسية، لأن ذلك يُعدّ، من وجهة نظره، تشكيكاً في صورة فرنسا «الأسطورية» التي يريد استعادتها: فرنسا البيضاء والمسيحية الخالية من أيّ معارضة لليمين، في ما يمثّل ارتكاساً إلى خطاب الهيمنة الإمبريالية في القرن التاسع عشر، وخدعة «بعثة التمدّن» الحضاري للأمّة الفرنسية، والتي كانت الذريعة لتبرير الاستعمار الفرنسي الدموي في أفريقيا وآسيا. ولا يخجل زيمور من الإشادة، تحديداً، بغزو فرنسا للجزائر، بلد أجداده، ليس لناحية «نشر أنوار الحضارة والمدنية في مجتمع متخلّف» فحسب - على حدّ تعبيره -، وإنّما لأن فرنسا «حرّرت البربر من نير العرب المتوحّشين، أعداء الحضارة». ومن الجليّ أن كراهية زيمور للعرب منتَجٌ تاريخي معتّق، أوسع من مجرّد نقمته على الفرنسيين المتحدّرين من جذور جزائرية ومغربية وتونسية، والذي هم سكّان الضواحي.
بالنسبة إلى زيمور، لا يوجد سوى تاريخ فرنسي واحد «ناصع من العظمة الأبدية والمجد»
بالطبع، لم تكن الكتب وحدها مصدر سمعة زيمور كمفكّر يمينيّ رئيسي، إذ إنه عمل صحافياً وكاتب عمود في الصحافة الفرنسية لأكثر من ثلاثة عقود، وهو بالفعل من أكثر المطّلعين على دواخل الحياة السياسية في باريس، وخلفيّاتها. وبعدما فُرض وجوده على الساحة العامّة كصوت يميني متفرّد في جرأة طروحاته، أصبح الآن نجماً في برامج النقاش السياسي على موجات الأثير وشاشات التلفزيون، وليس من النادر أن يظهر على اثنين أو ثلاثة منها في يوم واحد. وبفضل موقع «يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن تصريحاته الإعلامية سرعان ما تجد طريقها إلى ملايين الفرنسيين الذين يكون قد فاتهم البثّ الأساسي، وتتراكم في الفضاء السيبيري إلى ما لا نهاية، خصوصاً أن صاحبها يمتاز بالقدرة على الحديث بطلاقة وجاذبية، بينما يَسِم التلعثم أداء السياسيين المحترفين الطامحين إلى الرئاسة، ومنهم ماكرون نفسه الذي انتقد زيمور علناً في عدّة مناسبات. وحتى عندما نشرت مجلّة «باري ماتش» صوراً للأخير على الشاطئ مع مساعدته (غير زوجته طبعاً)، في أوضاع موحية، اتّهمه البعض بتعريض نفسه عمداً لكاميرات الصحافة الصفراء، سعياً لإظهار جاذبيّته الرجوليّة أمام قطاعات من الفرنسيين، قد لا تكون بالضرورة مقتنعة تماماً بآرائه السياسية. ويعقد زيمور مهرجانات جماهيرية في بعض الأحيان، على رغم عدم ارتباطه بحزب سياسي محدّد، لكن ذلك ليس مستهجَناً في فرنسا، إذ كثيراً ما شهد تاريخها، من الجنرال شارل ديغول إلى إيمانويل ماكرون، إطلاق أحزاب سياسية مكرّسة لدعم شخصيات محدّدة، قبيل الانتخابات الرئاسية بوقت قليل. ويبدو أن حراك «السترات الصفر»، الذي تنازعته تيّارات إيديولوجية يسارية ويمينية، ساعد في تأسيس مناخ شعبي معادٍ للنخبة السياسية المحترفة والتكنوقراط، ولذا فإن زيمور، الذي لم يشغل أيّ منصب عام، ولم يتخرّج من كلّيات النخبة، قد يكسب نقاطاً إضافية - ضدّ ماكرون مرشّح المنظومة مثلاً - لدى بعض الجهات التي ترغب في التصويت الاحتجاجي ضدّ طبقة السياسيين التقليدية.
فهل يفعلها الفرنسيّون وينتخبون زيمور رئيساً لهم؟ دأْب الإعلام الفرنسي على البحث عن الإثارة، والميل التاريخي لدى الفرنسيين لتحدّي مَن هم في السلطة، والذي تجدّد بعد أشهر طويلة من حراك «السترات الصفر»، مع تآكل شعبيّة ماكرون، وموت اليسار، بعد اختراقه وانقلاب طروحاته إلى اليمين، والفراغ الذي يلوح في فضاء الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الاستقطاب الداخلي الحادّ... كلّها عوامل تتلاقى لتخلق فرصة مثالية لصعود زعيم شعبوي يطرح شعارات مسرفة في التحدّي، ويريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، نحو زمان ذهبي متخيَّل لـ«فرنسا العظيمة» (على نسق شعار ترامب الأثير: فلنُعِد لأميركا عظمتها). وليس على الساحة السياسية الفرنسية مَن يمكنه أن يلعب هذا الدور - أقلّه إلى الآن - بأفضل ممّا يفعل إريك زيمور، إلى درجة أن البعض شرع يتعامل معه كقدر تاريخي محتّم لا يمكن مقاومته.