طهران | تستضيف طهران، اليوم، اجتماعاً يضمّ وزراء خارجية ستّ دول جارة لأفغانستان (إيران، الصين، باكستان، أوزبكستان، طاجيكستان، وتركمانستان)، إضافة إلى روسيا. وهذه هي الدورة الثانية من اجتماعات جيران أفغانستان، منذ سيطرة حركة «طالبان» على السلطة في البلاد، عقب انهيار حكومة محمد أشرف غني، على أثر الانسحاب الأميركي، في 15 آب الماضي. وكانت الدورة الأولى قد عُقدت في باكستان، في الثامن من أيلول، بصورة افتراضية، وتمّ الاتفاق فيها على أن تُعقد الدورة اللاحقة في طهران. ويُقام اجتماع طهران، أيضاً، بعد أسبوع من ملتقى «مستقبل أفغانستان»، الذي عُقد في موسكو، وشارك فيه وفدٌ من الحركة، وسمّى بيانه الختامي المشترك حكومة «طالبان» الحالية بـ«الحكومة المؤقتة»، ودعاها إلى الالتزام بحقوق الإنسان وحقوق المرأة. لكن ممثّلي إيران أوضحوا، بعد هذا الاجتماع، أنّهم لم يطّلعوا على البيان، ولم يوافقوا عليه. وحتّى الآن، لم تَعترف أيّ دولة بـ«إمارة طالبان الإسلامية»، بينما شدّدت الحكومة الإيرانية، مراراً، على أن تشكيل «حكومة موسّعة» يمثّل الشرط المسبق للاعتراف بحكومة الحركة. وفيما لم تُوجَّه دعوة إلى «طالبان» لحضور اجتماع طهران، أعرب المتحدّث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، عن أمله في أن يعود هذا الاجتماع بالفائدة على أفغانستان. من جهتها، أفادت السفارة الإيرانية في كابول، في تغريدة على موقع «تويتر»، بأن أجندة المؤتمر تتمثّل في «مواصلة المحادثات والنقاشات حول مستقبل أفغانستان». وكتبت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، بدورها، أن «دول جوار أفغانستان تنوي التركيز على كيفية مساعدة تشكيل حكومة موسّعة ذات قاعدة عريضة في هذا البلد، على أن تضمّ جميع الأعراق والأطياف». وفي السیاق ذاته، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، إلى أن «الهدف الرئيس من اجتماع طهران هو توحيد جهود دول الجوار الأفغاني»، مضيفاً أن «طهران سوف تكون موقعاً للنشاط الدبلوماسي في المنطقة». وشدّد خطيب زادة على ضرورة «تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، تحظى بدعم الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي».

ضوءٌ أخضر وتحذير لـ«طالبان»
يصف المتخصّص في الشأن الأفغاني وشبه القارة الهندية، بير محمد ملازهي، اجتماع طهران بأنه استمرارٌ لاجتماع موسكو، لافتاً إلى أنه يهدف إلى تنسيق رؤى دول الجوار الأفغاني ومصالحها ومواقفها تجاه التطوّرات الأفغانية. ويقول ملازهي، في حديث إلى «الأخبار»، إن إقامة اجتماعَي موسكو وطهران تمهّد للتحرّك باتجاه اعتراف دول الجوار، رسمياً، بـ«إمارة طالبان الإسلامية». لكن هذه الدول تريد، في الوقت ذاته، دفْع الحركة باتجاه تعديل بعض سياساتها، لتجنّب الشمولية العرقية، والكفّ عن تجاهل حقوق الأعراق الأخرى. ويرى أن سبب عدم توجيه الدعوة لـ«طالبان» يعود إلى بعض الحساسيات والاحتجاجات في المجتمع الإيراني إزاء التقارب مع الحركة، معتبراً أن «إيران، وعلى الرغم من إقامتها تواصلاً مع طالبان بسبب بعض المتطلّبات الأمنية، إلّا أنّها لا تريد في الوقت الحاضر، التحرّك باتجاه الاعتراف بإمارة أفغانستان الإسلامية، من دون أيّ شرط مسبق». كذلك، أشار إلى أنه «بالنسبة إلى طهران، فإن تشكيل حكومة موسّعة تضم الأطياف العرقية والسياسية كافة في أفغانستان يكتسب أهمية بالغة، لا سيما أن إيران تملك نفوذاً ثقافياً وسياسياً بين الهزارة والطاجيك، وتعتبرهما حليفيها الرئيسيَن».
السفارة الإيرانية في كابول: أجندة الاجتماع تتمثّل في «مواصلة المحادثات حول مستقبل أفغانستان»


التخوّف من حربٍ أهلية
من جهتها، ترى المتخصّصة في القضايا الاستراتيجية، فاطمة نكولعل، التي تُعتبر من كبار مدراء «معهد طهران للدراسات والأبحاث الدولية» أن اجتماع طهران يشكّل فرصة لإثارة الهواجس الأمنية والخطوط الحمراء لدول الجوار الأفغاني، بما فيها إيران، تجاه التطوّرات في أفغانستان، وذلك بهدف إيجاد قاسمٍ مشترك للتعاون الجماعي. وتلفت نكولعل، في حديث إلى «الأخبار» إلى أن أحد الخطوط الحمراء المحتملة للجمهورية الإسلامية، وبمعزل عن القضايا الأمنية، «يتمثّل في وضع الشيعة في أفغانستان، بحيث أنّ أيّ قمع واضطهاد يتعرّضان له يمكن أن يؤدّي إلى اندلاع حرب أهلية هناك، واستفزاز للمشاعر الداخلية في إيران»، مضيفة أنه «لذلك، يمكن لإيران، من خلال هذا الاجتماع، إظهار خطّها الأحمر هذا لباقي جيران أفغانستان». في الوقت ذاته، تعرب نكولعل عن شكوكها تجاه أثر اجتماع طهران على مستقبل أفغانستان، قائلة إن «مثل هذه الاجتماعات، على رغم أنها تُسهم في إرساء السلام والاستقرار في أفغانستان، لكنّها غير كافية وغير مصيرية»، متابعة أن «ما يؤدّي إلى إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان، هو اتفاق التيارات السياسية والطائفية والعرقية المختلفة، للعيش بسلام، جنباً إلى جنب».
وإذ تعتبر الباحثة الإيرانية أن «أحد أسباب إقامة اجتماع طهران وترحيب باقي دول الجوار بالمشاركة فيه، هو أن هذه الدول خاب أملها من إمكانية تبلور تعايش سلمي بين التيارات الداخلية الأفغانية»، فهي تشير إلى أن «هذا اليأس تسبّب في أن يتحدّث الكثير من مراقبي التطوّرات الأفغانية، عن احتمال نشوب حربٍ أهلية، في المدى المنظور». وتعتقد نكولعل أنه «لا يوجد في الأفق ما يوحي بأنّ بوسع اجتماع طهران، والاجتماعات اللاحقة، دفع التيارات الداخلية الأفغانية إلى العيش معاً». وتختم بالقول إن «اجتماعات من هذا القبيل تسلّط الضوء على الهواجس والقلق المشترك للجيران، وكيفية المواجهة المحتملة للتداعيات والتبعات السلبية للتطورات الأفغانية فحسب، ولا يجب انتظار الكثير منها».