تحوّلت إدلب، في السنوات الأخيرة، إلى «إبريق زيت» اللعبة الأممية في سوريا، وكأنّ حلّ أزمتها سيفتح الطريق أمام حلّ جميع مشاكل هذا البلد. وتمثّل المحافظة، حالياً، واحدة من المشكلات المعقّدة بالنسبة إلى أنقرة؛ ففيها يحتشد عشرات آلاف المسلّحين، الذين تخشى تركيا في ما لو اتّخذ الجيش السوري قراراً بشنّ هجوم على هذه المنطقة، أن يتدفّقوا عليها. لهذا، يشهد ملفّ إدلب، منذ بعض الوقت، حركةً مكثّفة من الاستعدادات العسكرية والتحرّكات السياسية، التي يسابق بعضها الآخر. ولا يبدو أن الاجتماع الأخير لـ«ثُلاثيّ آستانة» (روسيا، إيران، وتركيا) الذي انعقد في الثامن من تموز الماضي في العاصمة الكازاخية نور سلطان، نجح في فكّ عقدة إدلب، أو تغيير مواقف الدول الثلاث، خصوصاً أن الوضع ازداد سوءاً بعد القمّة. وفي الموازاة، ازداد اهتمام أنقرة بالوضع في سوريا عموماً وفي إدلب خصوصاً، عشيّة اللقاء الذي جمع الرئيسَين التركي رجب طيب إردوغان، والروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، على وقع تهديد دمشق بشنّ هجوم وشيك لفتح طريق «إم 4»، وتحرير المدينة والمحافظة.
واشنطن إلى إدلب
في مقالةٍ لصحيفة «ميللييت»، يرى عبد الله قره قوش، المؤيّد لسياسات إردوغان، في إدلب «نموذجاً للحروب بالوكالة بين روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة»، والتي لكلّ منها حساباتها الخاصّة المختلفة. وإذ ينتقد الكاتب دعمَ الولايات المتحدة للقوات الكردية، يعتبر أن ذلك لن يجلب السلام إلى سوريا، لاسيما أن «الأكراد» نالوا تعهُّداً من واشنطن بحمايتهم، فيما أكد السفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، في حوار صحافي قبل أيّام، أن الحُكم الذاتي في شمال شرق سوريا يتّجه ليصبح أمراً واقعاً، أو «دولة صغيرة فعلية تحت مظلّة الولايات المتحدة»، في ظلّ صعوبة التوصُّل إلى اتفاق بين «الأكراد» والدولة السورية.
تعمل تركيا بكلّ قوّتها للحفاظ على نظام وقف إطلاق النار الذي أُقرَّ في 5 آذار 2020


من جهته، يتوقّف سادات أرغين، في «حرييت»، عند الحوار الذي أجراه زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، أخيراً، مع صحيفة تركية، إذ اعترف بوجود مقاتلين من دول أجنبية عديدة في إدلب، مثل آسيا الوسطى والقوقاز والدول العربية وتركستان الشرقية، مؤكداً أن الفصائل المختلفة متّفقة في ما بينها ولها غرفة عمليات مشتركة وخطط للدفاع. ويعرض الكاتب موقف الجولاني من الولايات المتحدة، قائلاً إن هذا الأخير يقول لنفسه إن «تحرير الشام لا تشكِّل خطراً على أميركا ولا على أوروبا... وإن إدلب ليست قاعدة لتهديد السلم العالمي». وعلى هذه الخلفية، توجّه الجولاني إلى واشنطن بطلب إزالته من قائمة الإرهاب، وإلغاء جائزة العشرة ملايين دولار المرصودة لِمَن ينال منه. ويسعى الجولاني، وفق الكاتب، إلى «مساعدة الولايات المتحدة على إقامة توازن في إدلب في وجه روسيا والجيش السوري»، فيما لا تبدو «واشنطن بعيدة كثيراً من هذا التوجّه». فالمبعوث الأميركي الخاص في عهد دونالد ترامب إلى سوريا، جيمس جيفري، كان نفى صفة الإرهاب عن المقاتلين في الهيئة، على اعتبار أنهم «محبّون لوطنهم، ولا يشكّلون تهديداً عالمياً». وفي 8 آذار الماضي، قال جيفري إن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم «هيئة تحرير الشام» لمصالحها، نظراً إلى أنها «الخيار الأقلّ سوءاً». ويتساءل سادات أرغين: «ألا يعني تلميع صورة الجولاني إمكانية تحوُّل إدلب إلى منطقة صدام روسية – أميركية؟ وبالتالي أين تقف تركيا من هذا السيناريو؟».

سدّ الجيش التركي
في بُعدٍ آخر، وفي مقالة ثانية، يَعتبر سادات أرغين أن العامل الأهمّ في معادلة إدلب هو الجيش التركي، لافتاً إلى أن «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من أنقرة، هو جزء من هذه المعادلة. ويسلّط الكاتب الضوء على إشارة الجولاني إلى أن «تركيا، وعبر الخطوات التي بادرت إليها، استطاعت أن تقيم توازناً هنا»، والمقصود أن «تركيا تتولّى الدفاع عن خطّ المسلّحين في مواجهة الجيش السوري». وتفيد الأرقام الرسمية، وفق أرغين، بوجود حوالى عشرة آلاف جندي تركي في إدلب، يُضاف إليهم عناصر «الجيش الوطني السوري» الذي يأتمر بأوامر أنقرة. وينتشر الجيش التركي في أكثر من سبعين نقطة في إدلب وحدها، حيث يشكِّل سدّاً أمام الجيش السوري، والأهمّ أنه موجود في عدد كبير من النقاط إلى جنوب طريق «إم 4» الواصلة بين حلب واللاذقية والمقطوعة حالياً. كما ثمّة نقاط كثيرة له إلى الغرب من خطّ «إم 5» الواصل بين محافظتَي حلب ودمشق. ويرى أرغين أن عدم مبادرة روسيا والجيش السوري إلى عملية عسكرية في إدلب، مردّه أن «الجيش التركي يشكِّل عائقاً أمام مثل هذه العملية»، فيما تعمل تركيا بكلّ قوّتها للحفاظ على نظام وقف إطلاق النار الذي أُقرَّ في 5 آذار 2020 للحؤول دون موجة لجوء جديدة. وفي هذا الإطار، يشدّد وزير الدفاع التركي، خلوصي آقار، على أن «أُمنية تركيا هي العودة إلى الهدوء الذي كان سائداً بموجب اتفاق وقف النار». ويشير الكاتب إلى أن النهج الذي تتّبعه أنقرة في إدلب، يحظى بدعم غربي لجهة منع أيّ هجوم سوري - روسي قد يؤدّي إلى موجة هجرة جديدة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا. أمّا في ما خصّ مناطق شرق الفرات، فإن تركيا وروسيا تتعاونان ضدّ الولايات المتحدة، وهو ما تُعتبر إيران داعمة له أيضاً، في وجه أيّ مطالب كردية انفصالية، بحسب أرغين.
من جهة أخرى، يتساءل الكاتب في «ميللييت»، غونيري جيفا أوغلو، عمَّا إذا كان يمكن الرئيس السوري، بشار الأسد، أن يبادر إلى الاتصال بإردوغان. ويدفعه إلى هذا السؤال، الاتصال بين الأسد والملك الأردني، عبد الله الثاني، والذي جرى فيه التأكيد على «العلاقات الأخوية». وفي هذا الإطار، يتساءل: «لِمَ لا يكون اتصال الأسد بإردوغان احتمالاً قائماً؟»، مذكّراً بما كان يقوله الرئيس السوري من أن دور الأردن في غرفة «الموك» ضدّ سوريا، لا يمكن نسيانه؛ «فلماذا لا ينسى الدور التركي في دعم الجيش السوري الحرّ؟».