على رغم إلباسها صفة «الموقتة»، يبدو أن حكومة «طالبان» الثانية لا تزال في طور التشكُّل. ومن خلال التعيينات الجديدة التي كُشف عنها يوم أمس، تسعى الحركة إلى شمول كل المتنافسين في داخلها، ضمن الحكومة العتيدة، فضلاً عن إسناد بعض المناصب الثانوية إلى «الأقليات»، علّ سلطتها «الجامعة» الجديدة تحوز اعتراف «المجتمع الدولي»، كما تأمل، لا سيما في ظلّ تحديات داخلية تواجهها، وتشكّل عودة نشاط تنظيم «داعش - ولاية خراسان» في شرق أفغانستان، أبرزها.التعيينات التي أُعلن عنها على لسان الناطق باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، شملت تعيين قائدَين ميدانيين مخضرمين من معقل الحركة في جنوب البلاد، في منصب نائب وزير في وزارتَين رئيستَين. وسيتولّى الملّا عبد القيوم ذاكر منصب نائب وزير الدفاع، بينما سيشغل صدر إبراهيم منصب نائب وزير الداخلية. وفي حين كان يُتوقَّع أن يشغل الرجلان منصبَين كبيرَين في الحكومة الجديدة، لكن أيّاً منهما لم يرد اسمه على قائمة الوزراء الرئيسة التي أُعلنت في وقت سابق من الشهر الجاري. ويعكس تعيين الشخصيتين، وهما من بين القادة الميدانيين الموالين لزعيم «طالبان» الراحل، الملّا أختر منصور، والذين ضغطوا على قيادة الحركة لتصعيد الحرب ضدّ حكومة كابول المدعومة من الغرب، اهتمام «طالبان» بتحقيق الوحدة في صفوفها من خلال تسوية الخلافات الإقليمية والشخصية التي طفت على السطح بعد انتقالها إلى موقع الحُكم، وإن كانت تحاول نفيها باستمرار. ويفيد تقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي، في حزيران الماضي، بأن كلاً من ذاكر - المعتقل السابق في «غوانتانامو» والمساعد المقرّب لمؤسّس الحركة الملّا عمر -، وصدر - الرئيس السابق للّجنة العسكرية في «طالبان» من إقليم هلمند الجنوبي ونائب سراج الدين حقاني الذي تنتمي أسرته إلى المناطق الحدودية الشرقية مع باكستان -، قاد قوات ضخمة اعتادت العمل في عدد من الأقاليم، وتعتبر قوية ومستقلّة إلى درجة خشية قيادة الحركة من أن يتسبّب ذلك في إثارة التوتّر على خلفية ولاءات مجموعات معينة، بخاصّة في جنوب البلاد وجنوب غربها. وفي إفادته الصحافية التي كشف فيها عن أسماء الوزراء والمسؤولين الجُدد، لفت مجاهد إلى أن الحكومة باتت الآن «تضمّ أقليات عدّة»، من بينهم التاجر الأفغاني حاجي نور الدين عزيزي، وهو من ولاية بانشير، الذي عُيِّن وزيراً للتجارة، إضافة إلى تعيين كالندار عباد وزيراً للصحة بالوكالة. كما تم تعيين كل من حاجی محمد عظيم سلطان زاده من إقليم سربل الشمالي، وحاجی محمد بشیر من إقليم بغلان الشمالي أيضاً نائبين لوزير التجارة، وعبد الباري عمر ومحمد حسن غياثي، وهو من أقلية الهزارة، نائبَين لوزير الصحة.
أعلن مجاهد أنه تم تعيين ممثّلي الأقليات، بما في ذلك الهزارة، في مناصب رسمية حكومية

وعُيِّن لطف الله خيرخواه نائباً لوزير التعليم العالي، والمهندس مجيب الرحمن عمر نائباً لوزير الطاقة، والمهندس نظر محمد مطمئين، وهو أحد الكتاب المشهورين، رئيساً لـ«اللجنة الأولمبية الوطنية». وفي هذا الإطار، أشار مجاهد إلى أن الحركة ألغت فعاليةً للإعلان عن حكومتها الجديدة والاحتفاء بأعضائها «حرصاً على رغبتها في التركيز فقط على العمل وبدء الوزراء في أداء مهامهم في أقرب وقت ممكن». ورداً على سؤال عمَّا إذا كانت الحكومة حقّقت مبدأ الشمول، قال مجاهد إنه «تم تعيين ممثّلي الأقليات، بما في ذلك الهزارة، في مناصب رسمية»، موضحاً أن الحكومة الحالية ستستمر بصفتها «حكومةً موقتة» في الوقت الراهن، حتى يتّخذ قادة «طالبان» قراراً نهائياً في شأنها. وعليه، جدّدت الحركة مطالبتها «المجتمع الدولي» بالاعتراف بحكومتها، لافتة إلى أن قادتها يسعون دائماً إلى جعل تلك الحكومة «أكثر شمولاً» لجميع الفئات والأقليات.
وفي الموازاة، تواصلت سلسلة التفجيرات في شرق أفغانستان، حيث سقط قتلى وجرحى، أوّل من أمس، جرّاء انفجار عبوتَين ناسفتين وسط مدينة جلال أباد (مركز ولاية ننغرهار) شرق البلاد، ما دفع السلطات إلى إقالة حاكمَي ولايتَي ننغرهار وكونر على خلفية تدهور الوضع الأمني. وكان تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته عن ثلاثة تفجيرات استهدفت حركة «طالبان» السبت وتفجير آخر الأحد في جلال أباد، في اعتداءات هي الأولى منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في 30 آب الماضي. لكن «طالبان» لا تزال تصرّ على أنه ليس هناك دليل على وجود تنظيم «داعش»، إذ نفى مجاهد أن يكون للتنظيم وجود حقيقي في بلاده، قائلاً إنه «ينفذ في الخفاء هجمات خسيسة... تنظيم داعش الموجود في العراق وسوريا ليس له وجود هنا. لكن بعض الأشخاص، ربما يكونون من شعبنا الأفغاني، تبنّوا فكر التنظيم وهي ظاهرة لا يؤيّدها عموم الشعب».